لكن هذا الفهم الجديد لمرض الأنفلونزا لم يأت بالسرعة اللازمة نظرًا لأن الفيروس المسبب لها يتغير بسرعة، ولا يكون الجسم مستعدًا لمقاومة الفيروس الجديد في الموسم المقبل، وهكذا فإنه يصيب نحو خمسة ملايين من البشر حول العالم، ويتسبب في وفاة ربع مليون شخص كل عام، حسب موقع «بي بي سي». تقول جين ميتز من جامعة بريستول: «المناعة التي نطورها لا تتعرف على الفيروس، ولهذا نفقد مناعتنا في مواجهته». وتسود فكرة أخرى تتعلق بتركيب أجسامنا، فالطقس البارد يقلل من مناعة الجسم ضد العدوى، وفي أيام الشتاء القصيرة، التي لا تسطع فيها الشمس لوقت طويل، تتراجع نسبة فيتامين د في أجسادنا، وهو الفيتامين الذي يساعد على تقوية نظام المناعة في الجسم، مما يجعلنا عرضة للعدوى. إضافة إلى ذلك، عندما نتنفس الهواء البارد، تتقلص الشعيرات الدموية داخل الأنف لمنعه من فقد الحرارة، وهذا بدوره يمنع خلايا الدم البيضاء من الوصول إلى الأغشية المخاطية والحيلولة دون القضاء على أي فيروسات نتنفسها، وبالتالي دخول هذه الفيروسات إلى أجسامنا، (وربما كان هذا هو السبب في أننا نصاب بالرشح عندما نخرج ورؤوسنا مبتلة). وبينما تقوم هذه العوامل بدور ما في عملية الانتقال، إلا أنها لا تكفي لشرح سبب انتشار الأنفلونزا في كل عام في موسم محدد، ولعل الإجابة تكمن في الهواء الذي نتنفسه. واختبر العلماء كيفية انتشار فيروس الأنفلونزا بين فئران المختبرات، فوجدوا أنه في الهواء الرطب يجد الوباء صعوبة في الانتشار، بينما ينتشر في الهواء الجاف انتشار النار في الهشيم. ففي أي وقت نسعل فيه بسبب البرد، يخرج رذاذ جسيمات من أنوفنا وأفواهنا في الهواء الرطب تبقى هذه الجسيمات كبيرة نسبيًا وتسقط على الأرض. لكن في الهواء الجاف تتشظى تلك الجسيمات إلى قطع أصغر، وتتحول إلى أجزاء متناهية الصغر من المخاط والفيروسات والخلايا الميتة التي يمكن أن يلتقطها كل من يدخل الغرفة. فضلاً عن ذلك يعتبر بخار الماء الموجود في الهواء سامًا للفيروس في حد ذاته وربما بتغيير درجة الحموضة أو الملوحة في المخاط، يقوم الهواء المبلل بتغيير سطح الفيروس مما يعني أنه يفقد سلاحه الذي يمكنه من مهاجمة خلايا أجسامنا. أما في الهواء الجاف، فيمكن للفيروسات أن تستمر نشطة لعدة ساعات إلى أن يتم ابتلاعها أو استنشاقها، ويمكنها أن تسكن في خلايا حلوقنا. يوجد بالطبع استثناءات لهذه القاعدة العامة، فمع أن الهواء في الطائرات جاف بشكل عام، لا يبدو أنه يزيد من خطر الإصابة بالأنفلونزا ربما لأن الهواء نفسه تجري تنقيته من أي جراثيم، قبل أن تتمكن من الانتشار. ويؤكد العلماء أن إجراءات من قبيل اللقاحات والنظافة الشخصية هي أفضل الطرق للوقاية من المرض، أما استخدام بخار الماء لمكافحة الجراثيم فهو إجراء إضافي، لكن عندما تتعامل مع عدو متفش وصعب الملاحقة كفيروس الأنفلونزا، فإنك بحاجة لاستخدام الأسلحة التي بحوزتك كافة.