في مدينة الفن و التاريخ ، لؤلؤة المغرب العربي بامتياز لرمضان نكهة خاصة بكل الأبعاد التي تحملها الكلمة ، فقضاء رمضان في مدينة تلمسان يشعر المرء بروحانية الشهر نظرا للأهمية الكبرى التي تعطى لكل تفاصيل هذا الموعد الهام و الذي ينتظره التلمسانيون بشغف منذ دخول شعبان، ينتظرونه بتلهف لأسباب عديدة ففي هذا الشهر يختن الأطفال أو يصوم لأول مرة من بلغ نصاب العمر لذلك فيحلون و يتزينون وفق تقاليد خاصة جدا ناذرا ما تجد لها مثالا خارج تلمسان و تقام لذلك الاحتفالات و تخلّد الذكرى بصور جميلة ، و يدعى الأهل و الأقارب و تحضّر أشهى المأكولات ، كما يصر الآباء على تعليم أبنائهم القرآن و حفظه و تلاوته و دخول مسابقاته في المساجد ليالي رمضان . غرناطة إفريقيا كما يسميها المؤرخون حبتها الطبيعة بمناظر قلّ ما تجد لها رديفا في مناطق أخرى، فهي منطقة السهول والهضاب و الماء و الزرع ، و عليه فإن سهرات السكان في تلمسان لم تعد تقتصر على خروج الرجال إلى المقاهي و التحلق حول لعبة الدومينو مع ارتشاف ما لا يحصى من فناجين القهوة وكؤوس الشاي ، أو تسارع النساء إلى قضاء وقت ما قبل السحور في منزل الأقارب تجمعهنّ أباريق الشاي و ما لذّ وطاب من حلويات تلمسانية صارت دمغة فاصلة للمدينة كمقروط اللوز والقريوش ،الكعك التلمساني ،الغريبية، الصامصة ، و البكاء على الحظ عند قراءة البوقالات التي تتفنن التلمسانيات في إعدادها لقراءتها على المدعوات سهرة كلّ ليلة ، كما صارت هضبة " لالا ستي " تصنع الحدث بعد تحوّلها إلى منتزه لا بديل عنه يأتيه سكان الولاية و الولايات المجاورة و لا يغادرونه إلّا فجرا، حيث تسهر عناصر الأمن على راحة الناس و الحفاظ على ممتلكاتهم ، بل فإن الكثير من المواطنين يفضلون تناول وجبة السحور هناك ، ومن ألذ أطباق رمضان في تلمسان خلال شهر رمضان ، "الحريرة " ، حيث تختلف تحضيراته من منطقة إلى أخرى، فهناك من يريد أكله مضافا إليه التشيشة و آخرون " المقطفة "، و جرت عادة أن تفقس بعض ربات البيوت فيه بعضا من البيض، فقبيل رمضان و خلال أيامه الأولى تسهر نساء تلمسان على تحضير "المقطفة "، و هي عبارة عن شربة رقيقة جدا تحضر من الدقيق الليّن و قليل من الزبدة و الماء ، ثم تفرد على شكل خيوط رقيقة ، ويُقطّع كل خيط إلى قطع صغيرة تُبرم بالأصابع بين السبابة و الإبهام، قبل أن توضع في طبق الحلفاء و يتم تجفيفها تحت أشعة الشمس لتضاف إلى طبق الحريرة فيصير مرقها غنيا، و لا تفوت العائلات التلذذ بالأطباق الحلوة المحضّرة من البرقوق الذي ينتج محليا كما تستعمله ربات البيوت إلى تحضير عصائر حب الملوك الذي تنفرد تلمسان بزراعته، و بعد أن التفت العائلات حول موائد الإفطار ينطلق الجميع و لكل وجهته ، و تفضل النسوة البقاء في الدار، حيث توقد الشموع وتنطلق روائح البخور التي يتصاعد منها عبق الجاوي و الحناء، كما يصر السكان على التوجه صوب المساجد كالجامع الكبير وجامع سيدي إبراهيم ، مسجد علي بن أبي طالب ،جامع السنة والجوامع الأخرى المنتشرة عبر تلمسان لأداء صلاة العشاء و صلاة التراويح، و تتنافس الفنادق الكبرى في تلمسان على تنشيط سهرات فنّية و غنائية يدعى إليها رواد الفن الأندلسي الأصيل بكل طبوعه. وفي ذات المقام تفتح دور الأنشطة أبوابها بعد الإفطار، فيعود الدباغون و السبّاكون و النجارون والخياطون إلى ورشهم، فتجد منتجي النحاس منهمكين في نقش و تزويق الصينيات و الأباريق وغيرها ، في حين ينهمك الدباغون في تلوين خيوط الصوف لتصنع منها أجمل الفُرُش و تفضل كثير من النساء دخول القيسرية لشراء لوازم العرائس من " قفطانات " لا تتوفر إلّا في تلمسان ، هذه القفطانات هي التي ترتديها الفتيات اللائي صمن لأول مرة و تزينّ بكل الحلي و التيجان وخيوط اللويز و أحزمة الذهب و يُحتفل بهن في جو عائلي جميل تحرص نساء تلمسان على الحفاظ على عاداته .