حينما يثار الحديث عن مسرح الطفل في الجزائر ،سواء في حلقات النقاش بين ممارسي المسرح ،أو في الجلسات الأكاديمية،فلا يختلف اثنان،بأن هذا النشاط الطفولي في شكله الناضج،قد خرج في منتصف سبعينيات القرن الماضي من رحم المسرح الجهوي لوهران،متمثلا في مسرحية "النحلة"، تلتها مسرحية "البحيرة" بعد فترة،لتتكلل التجربة الناشئة باستحداث قسم خاص لمسرح الطفل بالمسرح الجهوي لوهران،ولتبدأ مجموعة من النتاجات ضمن هذا النوع من المسرح في الظهور تباعا. و تعد قسنطينة من جهتها، أول مدينة يجتمع فيها نشطاء مسرح الطفل بالجزائر،ضمن فعالية المهرجان الدولي الأول لمسرح الطفل و الماريونات عام 1986، لتتأسس بعد ذلك أيام وأسابيع و مهرجانات خاصة بمسرح الطفل في:أرزيو ، المدية،عين تموشنت ،معسكر، تيسمسيلت،تيارت،سيدي بلعباس و غيرها... و قد دفع تكاثر التظاهرات، واستقطابها لفئات عمرية واسعة من المتلقين،إلى توالد فرق مسرحية جديدة تهتم بشكل خاص بمسرح الطفل،كما تأسس أيضا،مهرجان وطني خاص بالمسرح المدرسي قاربمدينة مستغانم ،بإشراف وزارة التربية الوطنية. إن الغاية من هذه الوقفة مع مسرح الطفل ليست تاريخية،بل أملتها احتفالاتنا بأطفالنا في هذا الشهر،وواجب علينا،في غمرة احتفائنا بهم، أن نتفكر،اعتبارا من معايشتنا و متابعتنا عن كتب لعدد من فعاليات مسرح الطفل في الجزائر،في استكناه اتجاه هذا المسرح و آفاقه في بلادنا،انطلاقا مما كان،و ماهو كائن،لأجل هندسة إستراتيجية واضحة المعالم،ترتكز على دراسة إحصائية حقيقية، يتم في ضوئها تقييم موضوعي لحركة مسرح الطفل بالجزائر لأزيد من أربعين سنة،حتى نتمكن من حصر الإشكالات و بؤر العجز التي تعيق استدامة الفعل المسرحي الطفولي،الذي يمثل بحق،الخزان الثر للمسرح الجزائري في المستقبل... فأطفال اليوم،ممثلين أو متلقين،هم رجال و نساء الغد القريب،و بهم تتدعم فرق مسرح الشباب و الهواة،و المسرح المحترف.. و عليه،فمن الضروري العمل على استجماع الرؤي و التصورات المختلفة للممارسين و الأكاديميين،لاستشراف ماهية علمية و فنية رصينة لمسرح الطفل، تتحدد وفقها شروط و معايير وآليات قيامه و تطوره،و ترسم بوضوح الأهداف و الغايات المتوخاة منه،و في طليعتها،ترسيم تعليم مادة المسرح في المنظومة التربوية،و كسب اعتراف المجتمع بالمسرح ،كأداة مثلى ناجعة لتدريب أبنائنا و بناتنا على امتلاك مهارات التعبير السليم،واكتساب الشجاعة الأدبية و روح المبادرة، و أسليب التخاطب و التحاور الحضاري، بما يضمن لنا، بالنتيجة، البناء المعرفي و الجمالي القويم لمواطن واعد..المواطن الصالح الذي نتأمله و نرتجيه كلنا غدا بين ظهرانينا .