لا تحصي المعمورة عبر التاريخ قيام مجتمع على دين واحد ، سماوي أو وضعي فالمجتمعات البشرية السويّة تقوم على أساس التعددية الدينية - أو على الأقل التعددية المذهبية - فلا مجتمع يتشكل من عِرق واحد أو دين واحد او اثنية واحدة و بالتالي فالامتزاج داخل المجتمع الواحد يخلق الاختلاف الذي يكون منبع الرحمة بين الأفراد الذين يتكاملون باختلافاتهم لا خلافاتهم، ولعلّ ما يضع هذا الاختلاف سواء في الدين أو غيره في طريقه السليم هو حكمة الحكم و الإدارة السليمة التي تحفظ للجميع حقوقهم وتعطيهم مساحة للتعبير عن معتقداتهم في أجواء التسامح ، و بالتالي لا تكون سببا في نشوب حروب أو مشادّات أو نزاعات على أساس الدين و المذهبية و الطائفية و بالتالي تغذية الأجيال القادمة بشحنات من الحقد و التربص بالآخر بفعل ترسب الكراهية. انطلاقا من معني السلام بصفة عامة ، والذي يُعرف بغياب العنف بكل أشكاله يتكون كل مجتمع من مجموعة من البشر ، مختلفون بالضرورة عن بعضهم و لو في لأبسط المقومات وصولا إلى انتمائهم الديني و لكن يجمعهم التزام تجاه بلدهم أو مجتمعهم و الخروج علي هذا العقد يمثل انتهاكا لحقوق طرف ، وإخلالا بالتزامات طرف آخر مما يستوجب التدخل الحاسم لتصحيح الموقف ، هذا التدخل تحاول الجزائر جاهدة تجنّبه من خلال التزام سابق بالمساواة بين جميع أفراد المجتمع الذين قد يفرقهم الدين و لكن تجمعهم مصلحتان : العيش في سلام آمنين على أرواحهم و ممتلكاتهم و حبهم لمصلحة و أمن بلدهم التعددية الدينية في الجزائر ليست طابوها يتم تناول موضوعاته و الحديث عنها في الكواليس و خفية فقد وضّح الدستور الجزائري الذي يقرّ – بالإضافة إلى أنّ الاسلام دين الدولة - بحرية العقيدة والرأي في مادته 36 كما أنه يساوي بين مواطني الدولة حيث تقول المادة 29 من الدستور «كل المواطنين سواسية أمام القانون ولا يمكن أن يُتذرع بأي تمييز يعود سببه إلى المولد أو العرق أو الجنس أو أي شرط أو ظرف آخر شخصي أو اجتماعي». ووزارة الشؤون الدينية كما تهتم بشؤون الدين الإسلامي فتهتم أيضا بباقي الأديان و معتنقيها ، و تقدم الدولة مساعدات لغير المسلمين الذين يمارسون معتقداتهم و طقوسهم في معابدهم و كنائسهم بحرية و دون تضييق و لعلّ تحوّل السيّدة الافريقية إلى معلم سياحي يأتيه الاوربيون و الأمريكيون مرّ من باب كونها كنيسة لا تزال تحافظ على كل مقوماتها و شعائر روادها بكل حرية . وأكثر من ذلك ورغم أنّ الجزائريين في غالبيتهم يتبعون المذهب المالكي فالمذهب الإباضي أيضا موجود ، له أتباعه رغم أنّ كثيرا من المنظمات غير الحكومية الحاقدة حاولت و سعت من أجل ايقاع الفتن بين المسلمين من هذا الباب لولا فطنة الدولة و الشعب و بالتالي لا يوجد من يساوم الجزائريين في حريتهم الدينية أو المذهبية بل وحتّى الجاليات أو الأقليات الموجودة في البلاد لها حرية الممارسة. وبالعودة إلى التاريخ «ينتصب» مثلا خارقا يدل بالدليل الدامغ على التسامح الديني في الجزائر و حماية الدولة للحريات فالأب سان أوغيسان و الأب شارل دو فوكو راهبان مسيحيان اتخذا من أرض الجزائر موطنا لنشاطهما الديني و تضامنهما مع المسلمين الأول استوطن بونة (عنابة) و التي عاش بين الطوارق في تمنراست و مات بينهم و الأمثلة أكثر من أن تحصى .