برامج الأحزاب السياسية عبارة عن شعارات تعتمد اللغة و الإطناب، لا تمسح الواقع السياسي و لا تصححه و لا تعطي عنه البديل، و كما كانت الكتلة الشعبية مندفعة وراء الأحزاب في بداية التعددية عادت و اضمحلت بعد أن وجدت نفسها محشوة بخطابات تتكرر و لا تتجدد. و غالبا ما تدشن الأحزاب وجودها من أجل التواجد السياسي والإعلامى في الساحة الوطنية وليس لخدمة الشعب ، ف « النخبة « أسقطت الجمهور من حساباتها ، مما أدى إلى اختفاء الأحزاب من الحياة السياسية و احتفاظها بالبقاء ورقيا . و قد صار يتضح اليوم أنّ الحياة السياسية عندنا فى غالبها الأعم يمتد تكوين الأحزاب فيها من أعلى إلى أسفل رغم تأكيد النخبة المؤسسة أنّها آتية من الوسط الشعبي و بالتالي من حقها الاحتفاظ بالامتداد الشعبي ، و صار اليوم على الأحزاب بعد مضي حوالي ثلاث عشريات على انطلاق التعددية أن تبحث أسباب فشلها أو عدم اقلاعها أصلا فى الشارع السياسى ، فالبناء الديمقراطي يلزم تواجدا دائما في الساحة و دفاعا شرسا على الأفكار و القاعدة و ليس الذوبان في الرتابة و تلويك خطابات مستنسخة . يعرضون برامجهم على المواطنين لعلهم يصلون إلى اقناعهم و لكن سيناريو الاعراض و السقوط في التكرار أيضا موجود فجميعهم يستعملون الخطاب نفسه بالدعوة إلى التداول على الحكم و اصلاح العديد من القطاعات لاسيما العدالة و التعليم بجميع أطواره و الخدمة العمومية و اعادة النظر في سياسة التشغيل و الاهتمام بالشباب ، وإصلاح الجباية البترولية و وجوب تنويع الاقتصاد . الجميع يجتر الحديث على ضرورة اصلاح الادارة و تقريبها من المواطن لكن دون شرح كيفية الاصلاح و كذلك بالنسبة لكل القطاعات. و بالإضافة إلى الافتقار للخطاب الاقتصادي (و ليس المعلومات الاقتصادية و الكلام النظري في الموضوع) فانّ ما تقترحه الأحزاب يقول محللون اقتصاديون لا يقبل التجسيد لأنه لا يعتمد على الاقتصاد المنتج بل يركز بشكل غير واضح على عائدات البترول التي تبني عليها الحكومات قوانين ماليتها و هو نفس المنوال الذي تتحدث حوله الأحزاب و الدليل على ذلك أنّ لا أحد منها يفسر للمواطنين و هم القاعدة التي تبحث عنها هذه التشكيلات و تجوب كل أنحاء الوطن لتصنع لنفسها امتدادا جغرافيا و لا تجيد حتّى طرق حساب الميزانيات و قوانين المالية. و التبعية لأسلوب التوريد دون تفعيل التصدير و دون التطرق إلى مصير قيمة الدينار الذي يواصل التراجع في مواجهة العملات الأجنبية ،و الشق المتعلق بالخطاب الاقتصادي أيضا يقوم في الخطاب الحزبي على مقاصد وليست مساعي كما أن هذا الخطاب يدور حول الإنفاق الحكومي من مداخيل البترول لا غير و لا حديث عن كيفية تشغيل احتياطي الصرف و تسيير الصناديق المالية وتوفير مناخ أكبر للاستثمار الداخلي و صندوق التقاعد فهل القاعدة المكونة من جماهير بسيطة تفهم كلّ هذا ؟ و رغم خوض الأحزاب في كثير من المسائل الاقتصادية فالحلول التي تحاول تسويقها كبديل تبقى سطحية لأنها لا تقدم النجاعة في اصلاح الاقتصاد و المعتمِد على الجباية البترولية و مداخيل الطاقة بصفة عامة . الشباب الذين يشكلون الرقم الهام في الهرم السكاني يحاول كل حزب الفوز بأصواتهم و ذلك ما أدّى أن فتح باب الأحزاب لهم و تمكينهم من حصة نصّ عليها قانون الأحزاب حيث وعد بعض رؤساء الأحزاب بإنشاء مرصد وطني لمتابعة مشاكل الشباب و حلها من أجل جلب النّاس اليهم و تشكيل قاعدة صلبة إلّا أنّ مهرجاناتهم الانتخابية رأيناها يصفر فيها الفراغ .