سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
« مع الشيخة «الريميتي» غزونا العالم فنيا وفخور كوني روّجت لهذا التراث أوروبيا » المناجير نور الدين قفايتي يروي ل«الجمهورية» تجربته مع كبار أغنية «الراي» :
- لم تكن مهمة تنظيم حفل في المعهد العالم العربي بباريس سهلة بسبب وجود لوبي مغربي ومشرقي كبير. نور الدين قفايتي دكتور في العلوم السياسية ومتحصل على دبلوم في القانون الدولي بفرنسا، هذه الشهادات الجامعية العليا، لم تشفع له بمواصلة الدراسات في الحقل السياسي والقانوني، بل اختار على النقيض من ذلك عالم الفن والإبداع ومرافقة كبار أغنية «الراي» في مختلف المحافل الفنية الدولية، من أمثال الشيخة الريميتي، فضيلة وصحراوي، الشاب حسني، طارق، الزهوانية وآخرين.. أكاديمي اختار مسارا فنيا استضافت «الجمهورية» نور الدين قفايتي وحاولت أن تغوص معه في، بحر سنوات الثمانينات والتسعينات وحتى طيلة هذه الأعوام الأخيرة، لنتعرف على أسباب اختياره هذا المجال، وكيف كان يتعامل مع الفنانين ويسافر معهم في مختلف دول العالم، باعتباره كان مناجيرا ينظم لهم السهرات الفنية ويتعاقد مع كبار منظمي الحفلات ويلتقي مع مختلف المسؤولين العالميين في الموسيقى والإبداع، لاحظنا ونحن نتحدث معه أنه كان أكاديميا في رده على أسئلتنا، بحكم مساره العلمي والأكاديمي، كان موضوعيا ويتفادى العاطفة، باعتبار أنه قضى معظم حياته في الغربة، حيث كان مقيما في فرنسا منذ 1974، وهي البيئة المعروفة بالانضباط واحترام المواعيد وعدم التهاون والتساهل في الأمور القانونية، لذلك كان ناجحا في مسيرته، حيث استطاع التحليق رفقة العديد من فناني الأغنية الوهرانية، في محتلف مسارح العالم، من باريس إلى مدريد، ومن ستوكهولم إلى لندن، فنيويورك وطوكيو، دون أن ننسى النرويج وإيطاليا.. إلخ، قالها لنا وبلغة الواثق وبكل افتخار كنت من بين الأوائل الذين أدخلوا موسيقى الراي في متحف اللوفر الفرنسي الشهير وفي مختلف المعاهد وعواصم العالم، حيث اعتبر نور الدين قفايتي، هذا الأمر بمثابة فعل نضالي لنشر والتعريف بالأغنية الرايوية خارج الجزائر، موضحا أنه ومنذ أن أصبح مناجيرا في عام 1987، وهو يسعى لإبراز هذا النوع من الفنون، معترفا بأن المهمة لم تكن سهلة، حيث واجهته الكثير من المشاكل والعراقيل، إذ كان عليه أولا إقناع المسؤولين الفرنسيين أن «الراي» طابع غنائي يمكن تأديته في المسارح، ولا مانع من تنظيم سهرات وحفلات يحييها كبار المغنيين المحترمين، على غرار صحراوي وفضيلة، اللذان نشطا حفلا فنيا ناجحا في قاعة «المؤتمرات» نهاية الثمانينات بمدينة نانتير الفرنسية، المعروفة بكونها تستقطب العديد من المغتربين الذين كانوا في تلك الفترة يقطنون في البيوت القصديرية ويعلمون في شركات «رونو» و«سيمكا»، فكانت ببساطة عاصمة المهاجرين، ليواصل نور الدين بعدها مهمة الترويج لفنانين آخرين، على غرار المرحوم الشاب حسني، الذي غنى هو الآخر في فرنسا عام 1989، ثم الشيخة «الريميتي» فالزهوانية وحميد وعبد الحق.. جاك لونغ كمدخل للتعريف بالراي وعن سبب تركه عالم البحوث السياسية والقانونية، كشف محدثنا أن شباب تلك الفترة تربى على موسيقى «ناس الغيوان» و«جيل جيلالة» وكان «الراي» - حسبه - في تلك الفترة ممنوعا في الإذاعة، إلا أنه تم السماح بتنظيم أول مهرجان للراي بوهران في 1985، وهو الأمر الذي دفعه يفكر جليا بالترويج له خارج الوطن، من باب التعريف بالتراث الجزائري، وبحكم أنه كان نائبا لرئيس جمعية «فرانس بلوس»، وعلاقته مع جاك لونغ وزير الثقافة الفرنسي الأسبق، فقد سعى إلى التعريف بأغنية «الراي» في محافل أخرى، على غرار المعهد العالم العربي بباريس، حيث اعترف محدثنا أنه وجد صعوبات جديدة في إدخاله إلى هذا المركز الشهير، باعتبار أنه كان فيه ما يشبه اللوبي من المغاربة وحتى المشارقة، ولكنه استطاع من خلال أسلوب الحوار والخطاب المرن، من إقناع المدير الذي تعود أصوله من المغرب، لتنظيم حفل بهذا المعهد، بمساعدة الصحفيين الجزائريين رابح مزوان وبوزيان داودي الذي يشتغل في صحيفة «ليبيراسيون»، حيث غنى فيه كلا من فضيلة وصحراوي، واعترف قفايتي أنه لم يكن لديه أي تكوين في اختصاص «المناجير» ولكن الخبرة والتجربة وربطه علاقات قوية مع منظمي الحفلات الأوروبيين، مكنه في الأخير من فتح وكالة تحمل اسم قفايتي للإنتاج الموسيقي، وهو ما مكنه من التعريف بأغنية «الراي» كثقافة على سطح الأرض.. ومن بين المغنيين الذين استطاع نورالدين أن يغزوا بهم العالم فنيا ويروج للراي كتراث فني جزائري خاص، المبدعة والفنانة الراحلة الشيخة «الريميتي» التي كانت تعتبره مثل ابنها، عاش معها أجمل اللحظات، التقى بها ذات يوم في مطعم تونسي بباريس، واقترح عليها تنظيم حفلات فوافقت ليبدأ معها تجربة جديدة، كانت أولى بشائرها لما غنت في «أمستردام» الهولندية، حيث استطاعت الشيخة إبهار الجمهور الذي غصت به قاعة الحفلات، لاسيما وأنه من النادر أن يغني فنان جزائري في هذا البلد، معترفا أنه كانت هناك معركة خفية بين باريسوأمستردام لاستقطاب أغنية «الراي»، وهو ما يؤكد اهتمام الأوروبيين بهذا النوع من الطبوع الفنية الجزائرية، مشيرا إلى أن «الريمتي» كان لديها ذهنية صعبة، ومنضبطة ولم تكن طماعة وكان قلبها أبيض. 500 حفل طيلة 20 سنة اشتغل معها لمدة 20 سنة من 1986 إلى 2006، حيث كانت مدرسة في كل الميادين وسيدة استثنائية، كان سيدة حكيمة ولديها قوة الإقناع وفنانة عظيمة، كاشفا أنه نظم برفقتها حوالي 500 حفل، كانت لديها أذن تسمع جيدا وتعاتب في كل مرة فرقتها الفنية، كلما ارتكبت خطأ إيقاعيا، ما يؤكد امتلاكها للحس الفني، وحبها للمسار الإبداعي الذي اختارته، وهو الأمر الذي مكنها من الغناء في عدة دول : منها فرنسا وإسبانيا والدنمارك والسويد والنرويج وإيطاليا وطوكيو، بل وأنها اقتحمت ولأول مرة في تاريخ أغنية «الراي» «سنترال بارك» بنيويورك، و«هول إليزابيث كوين» و«بارباكين سانتر» وهي المسارح التي غنى فيها جورج مايكل وبيتلز، حيث كانت تملأ القاعات بالأجانب، الذين اكتشفوا من خلالها هذا النوع من الفنون، وكانت إمرأة محافظة على تقاليدها حيث بقيت إمرأة بدوية بالحناء والمسواك وترتدي البلوزة الجزائرية، مبرزا أنها كانت تحب كثيرا أبناءها، لاسيما وأنها كبرت يتيمة وعانت كثيرا في طفولتها، وكانت تتفادى إجراء الحوارات ولا تريد الظهور في التلفزيون احتراما لها ولعائلتها، مشيرا إلى أنها لم تضيع أي حفل طيلة ال20 سنة التي قضاها معاها، وأنها كانت إمرأة عصرية وحديثة بالرغم من كبر سنها، حيث لما اقترح عليها تغيير الجوق القديم بإضافة الموسيقي العالمي محمد مغني عازف «السانتي» وإدخال آلة الباتري والكونغاس والدربوكة ومعه القلال، أثبت أنها فنانة كبيرة وفي أول تدريب لها بالأستوديو نجحت هذه الفكرة ما جعلها تقدم أغنية عصرية بآلات جديدة أعجبت كثيرا الأجانب، حتى أنها تمكنت من إدخال الفرحة والبهجة في نفوس اليابانيين الذين رقصوا كثيرا على أنغام فرقتها الموسيقية، خاتما تدخله معنا في الأخير أن أسوأ ذكرى عاشها، لما توفيت الشيخة الريميت بين يديه، حيث وبعدما عادت من الطبيب الذي كان يعالجها، طلبت منه أن يرافقها إلى بيتها، فقال لها لدي موعد مع أبنائي، فألحت عليه أن يرافقها، وبعد أخذ وجذب وافق، نورالدين قفايتي، ولما كانت تهم بفتح الباب، سقطت مغشيا عليه، لتفارق الحياة في يوم حزين، لتنتهي بذلك قصة فن دامت لأزيد من 20 سنة مع هذخ السيدة، التي قال بشأنها محدثنا انها كانت أحسن سفير للجزائر بطوكيو، حيث نظمت على شرفها سفارة الجزائر باليابان مأدبة غداء كبيرة بحضور سفراء وقناصلة عرب إكراما وتقديرا لها بتمكنها من التعريف بالثقافة الجزائرية عموما وأغنية «الراي» خصوصا