عندما تتردى الأوضاع في البلاد أو تكون مقبلة على أمر كهذا جراء تراكمات ما ، تختلط الأمور حابلها بنابلها فتتّخذ الإشاعة و التخويف و القذف و التشهير مأخذا ضمن الساحة الوطنية لاسيما الشعبية ، فتكون طرفا كبيرا وفاعلا في رسم حدود و شكل الأزمة و اعطائها الأبعاد التي تريد و تتحيّن الفرص لتصبح كالزيت الذي يسري في القماش ، بل و تغذيها و قد تطيل في عمرها عندما لا تجد من يوقفها ، خاصة عندما لا تأبه إليها السلطة و لا ترد عليها ، متعلّلة بأنّه من غير المعقول أن تستغرق وقتها في الرد على الأكاذيب و توجيه الرأي العام و بالتالي الانصراف عن شؤون الأمّة الأكثر جدّية ، و في كثير من الأحيان عندما ترد السلطة على الإشاعة فيعتقد الرأي العام إنّما هذا التكذيب هو تثبيت للإشاعة في حدّ ذاته. و لكن عندما تجد الإشاعة طريقها نحو من يؤمن بها و يزيد عليها و يروّجها و يصنع لها هالة ، فإنها تصنع بذاتها رأيا عاما تدور حوله كل المستجدات المتقاذفة هنا و هناك ، و هذا الرأي العام ينطلق في حدّ ذاته من هذه المعطيات ليبني فكره و تفكيره و يتخذها سلاحا للمواجهة. و في كثير من الأوقات و تحت ظروف ما و ابتغاء لتحقيق مآرب ما في السياسة التي تتفرّع عنها باقي المآرب ، فإنّ السلطة أيضا تصنع إشاعتها فتهوّل و تشهّر و تخوّن و تقذف من خلال جندها المصنوع لهذه الأغراض ، ثم تعود و تلبس بذلة الإطفائي و كأنّها هي التي وقفت لكل هذه الأمور وسعت إلى الحل خدمة للمواطن . و قد صار أمر القيام بكل هذه التصرفات التي في حقيقة الأمر لا تمتّ بصلة إلى الوازع الأخلاقي سهلا للغاية ، في زمن اكتساح أمواج العالم الأزرق لكل المساحات بل و فرض نفسه من خلال ما صار يعرف بالجيش الالكتروني ، سواء من قبل السلطة الحاكمة أو من يعارضونها أحزابا و شعبا ، و بالتالي صارت القدرة في الوصول إلى الإضرار بالخصم و حصد الفائدة مرتبطا بقدرة هذا الطرف أو الآخر في إلانة و تجنيد التكنولوجيا ، التي تطلعنا كل يوم بجديد خارق للتفكير التقليدي في النيل من الخصوم. شخصيات كانت في الحكم فصارت خائنة للشعب ، و أخرى من الأسرة الثورية و تقلدت المناصب بعد الاستقلال و اسديت إليها النياشين اتّضح أنّها كانت في فيالق العدو، مجاهدات و شهيدات قيل أنّهنّ كنّ في المخابرات الفرنسية ، قادة اتهموا بالخيانة و بت التخويف و الإشاعة و ما إلى ذلك من الأمور التي صارت تفرض نفسها على السابحين و المبحرين في بحر العالم الأزرق . في زمن الأزمة و في زمن التكنولوجيا يسارع الخلق بغير تفكير إلى وسائل اطلاعهم على جديد الأحداث ، فترى المنشدّين إلى هذا الخبر أو ذاك و الذي قد يضم إشاعة مرتبطة بخيانة أو تخويف أو تشهير أو قذف في حق أسماء وازنة في الساحة الوطنية و لم لا يتحرى الحقيقة و لا يدقّق في مصدرها و الهدف من ورائها يجد نفسه ينقاد وراء نبإ زواج وزيرة من شخص مقرب من الحاكم ، و طلاء مقبرة استعدادا لدفن رئيس أو وزير لا يزال حيا يرزق و فرار مساجين و فشل انقلابات و تحويل مبالغ طائلة من المال العام و شراء يخوت للهروب بحرا و ... و لكن أين الحقيقة أم أنّ الوقت جدير بمداواة الكذب و العودة إلى الحقيقة علما أنّ عدم العلاج في وقته قد يفاقم الورم .