@ حول الأميرة دوكليف : الوهم المرجعي صدام الاحتمال : السيدة دوكليف محبوبة من الدوق نومور، إنها تحبه بشغف، والسيد دوكليف رجل ذو شأن، أمين، محبوب، زوج صالح مولع بزوجته.. هناك، إجمالا، حبكة مثلثة محتملة بقوة في وسط مستهتر، وفي مجلس بارز، ويكمن خطر انكسار الشخصية في مسألتي الشفافية والصدق، لا مكان للكمون في حيز الظاهر، غير أنّ السيدة « دوكليف» اخترقت هذا القانون البسيط والحاسم الذي ينقل الصدقُ ، من خلاله، الشخصيةَ من هيئة شخصية مستعارة أو محتملة إلى وضع أكثر تعقيدا، إلى كائن خيالي يلامس عتبة اللامعقول، ويجرها الطابع الاستثنائي للاعتراف الذي يقربها من براءة السريرة، إلى وضعية غريبة، وعليه وجب قراءة هذا المقطع الجميل بحرْفية: «وبعد، أيها السيد أجابته باكية، سأقدم لكم اعترافا لم يقدم لزوج بتاتا، ولكن براءة سيرتي ونواياي تمنحني القوة. صحيح أنّ لي مبررات للابتعاد عن المجلس ما دمت أحبّ تفادي الأخطار التي يقع فيها أحيانا أشخاص في سني، لم يبدُ عليّ أيّ أثر للضعف، وأستبعد حدوث ذلك في حالة ما إذا تركتم لي حرية الانسحاب من المجلس، أو في حالة ما إذا بقيت السيدة دوشارتر لمساعدتي على التصرف، ومهما كانت طبيعة الخطر أو الجهة التي سأنتسب إليها، سأتقبل ذلك بفرح للمحافظة على نفسي حتى أكون جديرة بأن أكون لكم ، أطلب منكم ألف عذر إن كانت لديّ أحاسيس تزعجكم ، لكني لن أزعجكم بتصرفاتي أبدا، واعلموا أني لكي أفعل ما فعلته، كان يتطلب عليّ كثيرا من الصداقة وكثيرا من التقدير لزوج لم أحصل عليه أبدا، قودوني، أشفقوا علي، وأحبوني أيضا إن استطعتم [...] إن الاعتراف الذي أدليت لكم به لم يكن نتاج ضعف، ويجب مزيدا من الشجاعة للاعتراف بهذه الحقيقة، أكثر مما يتطلب للمضي في إخفائها [...]، هل يمكن، صاحت هذه الأميرة، أن تفكروا بأنّ هناك تنكرا في اعتراف كاعترافي الذي لم يجبرني أيّ منطق للقيام به». (ص. ص. 333، 335، 336) بعد الاعتراف مباشرة انتبهت السيدة دوكليف إلى غرابة تصرفها، بعيدة عن المجلس، مثبتة في موضع انسحابها ستدرك أنها لم تعد تنتمي للشخصيات المحيطة بها. إنها تمثل الآن، وبشكل أكثر دقة، غيرية المتخيل. «عندما ذهب الأمير وبقيت السيدة دوكليف وحيدة، انتبهت إلى ما قامت به ، كانت مذعورة بحيث لم تشعر إلا قليلا أن ما حدث حقيقة، رأت أنها اقتلعت قلب زوجها وتقديره لها وحفرت لنفسها سديما لن تخرج منه أبدا، وتساءلت لمَ فعلت أمرا خطرا كهذا، لقد أيقنت أنها التزمت دون أن تملك الخطة تقريبا. إن فرادة اعتراف مماثل جعلتها تكتشف حجم الخطر». إذا انطلقنا من منظور استقبال العصر، كما يقترح « هانس روبير جوس»، وجدنا أنّ ردّ فعل القراء كان مزدوجا. هناك، من جهة، القارئ المندهش من الانحراف عن الاحتمال، والذي بقي ينظر إلى الشخصية كشخص، ومن ثمّ الحكم على سلوك مماثل بأنه سلوك غير مقبول، ومن جهة ثانية هناك أنصار الاعتراف الذين يرون بحذق أنّ النقاش يجب أن يتمركز حول الإشكالية الداخلية للمؤلف. اقترحت « ميركور قالان « التي أسسها «دونو دو فيزي» عام 1672، في عجيبه الصادر في أبريل 1678 تحقيقا لقرائه يتعلق باعتراف الأميرة دوكليف، وامتد التحقيق الذي ألهب جمهور القراء ليشمل ثلاثة أعداد ، طرح كلّ عدد من الأعداد الثلاثة سؤالا واحدا على قرائه، وقد دشن عدد أبريل «بسؤال ظريف» يبين مدى بقاء التحليل النفسي للشخصية مرتبطا بالواقع والمحتمل. السؤال المطروح : «أتساءل عمّا إذا كان على امرأة فاضلة تقدر زوجا شريفا أيما تقدير، ولا تتوانى عن الخصومة من أجل عشيق مولع تعمل جاهدة على تضييق الخناق عليه بكل الوسائل الممكنة. أسأل، كما قلت، عمّا إذا كان على هذه المرأة التي تريد أن تهجر إلى مكان لا تعرف بتاتا إن كانت لا تعرض نفسها لرؤية هذا العشيق التي تعرف أنه يحبها دون أن يعرف أنها تحبه، والتي لا تستطيع إرغام زوجها على الموافقة على الانسحاب دون أن يكتشف ما تكنه للعشيق الذي تريد هجره، أمن المستحسن أن تبوح باعترافها لهذا الزوج أم تسكت على حساب خطر المعارك المتتالية المفروضة عليها في المناسبات الضرورية من أجل رؤية هذا العشيق الذي لا تملك أيّ وسيلة أخرى للابتعاد عنه سوى بالاعتراف المذكور». فتح النقاش الجوهري حول حلقة الاعتراف. هناك ناقدان تهافتا حول الموضوع: «جان باتيست تروسي» و«دو فالانكور» الذي تمرد باستمرار على الوضع الاحتمالي، وهناك القس «دوثارن» الذي حاول بجلاء إقامة نقاش على مستوى المتخيل. علينا أن نستنتج من هذا النقاش، الذي يبدو لنا مهجورا، بعض العلامات المقبولة الدالة على مدى أهمية الحديث عن احتمال الشخصية الذي يبدو أساسيا في بنائها، وقد رد شارل على خصمه الذي عاتبه على جعل السيد « دونومور» يهيم أناء الليل وسط الغابة، دون أن يصاب بأي مرض قائلا: «حتى تستطيع قضاء ليلة في جبل دون أن تصاب بزكام لمدة ثمانية أيام، عليك أن تحمل معك الطاقية الشتوية، أو أن تقوم مقام بطل رواية، لا يوجد حل ثالث، وبعد أيتها السيدة [...] لنكن متفقين على أن السيد دونومور هو بطل رواية الأميرة دوكليف، مع أنه من الأفضل أن يكون بطلا على أن يكون مزكوما». لقد قيل كلّ شيء، يفضل شارل الرجل المزيف على الرجل الواقعي، الحركة الخارقة على الحركة اليومية، السيدة المتخيلة على السيدة ذات السلوكيات والأحاسيس المصطنعة، ويكمن جدوى ملاحظاته في كونه انتبه إلى أنّ الاحتمال في الأدب، ليس هو الذي يحفز على بناء الشخصية وتصرفاتها، بل وظائفها ودورها في اقتصاد القصة. وإذا كانت مختلف الأفلاق التي تقسم الشخصية وتزعزعها (الكينونة/ الظاهر، سلوك المجلس/ الاعتراف العجيب) تساعد على تحرير محضر واضح، فإنّ ذلك ليس سوى الكائن الخيالي الذي يخططه الكاتب في إطار الكون المستقل الذي تؤسس له الرواية. لم يعد الأمر يتعلق بالاهتمام بالوهم الواقعي، أو بالعرض الحقيقي، لكنه سينصب أكثر على «المحفزات التي تتبوأ الإعداد لبناء خيالي، لغرض جمالي». شددت السيدة « دولافاييت» مرارا على السلوك غير المقبول لبطلتها:« كرّر وكيل مطران دوشارم للسيدة دومارتيق اللقطة الغريبة لهذه المرأة التي اعترفت لزوجها بالشغف الذي تكنّه لشخص آخر».(ص.343) « آه سيدي، أضافت، لا توجد في العالم مغامرة تشبه مغامرتي، لا توجد امرأة أخرى قادرة على فعل ما فعلته.» (ص. 348). « لا أدري أجابت السيدة دوكليف، إن كنتم على خطأ في حكمكم الإيجابي على تصرف غريب كتصرفي» (ص. 362) بإمكاننا تضعيف الإحالات للتدليل على مدى إسهام سلوك السيدة «دوكليف « في منح الانسجام للرواية وتمثيل سيرة خفية تطفو بانتظام على النسيج الروائي.، ينتمي هذا السلوك إذن للمكان الروائي الذي يجب أن يوجه الشخصية نحو الحدّ الأعمى، نحو الأفق السري للمؤلف الفني. إنّ تشكل الشخصية لا يكوّن تعسف القصة وحسب، وإنما يخضع له أيضا، وهذه القصة المؤسسة على آليات مضبوطة تقود السيدة دوكليف إلى الانسحاب النهائي الذي لا يمثل عزلة الرفض فقط، ولكنه يمثل تحديدا الوحدة الرمزية للعالم الأدبي. المؤكد أنّ دخول الشخصية في الحقل المغلق للحيز الروائي ليس حالة شاذة، غير أنّ حالة الأميرة « دوكليف» تعد مثالية لأنها تفتح لمؤلفي الرواية باب المساءلة الجذرية الجديدة المتعلقة بتكوين الشخصية وبنائها وإعدادها في علاقتها بالسؤال الأساس المرتبط بالتقنية الأدبية وصيغ العرض. سيطرح الجنس الترسلي، الذي شهد انتشارا كبيرا في القرن الثامن عشر، وبشكل واضح أيضا، هذا السؤال المتعلق بحافز الشخصية في الإبداع الأدبي، وهذا ما يقترحه جيرار جينيت في صيغة نيرة خاصة بالأميرة دوكليف:« يوجد إذن، حتى في القصة الأحادية النسب، تحديد تضافري – وظيفي ممكن دائما ومستحب، ثم إنه ملائم جدا لإعداد الشخصية في الرواية الترسلية... يتبع