تفزعك في غمرة تصفح صحائف هذه الأيّام روحُ الاتّكال التي صار كثيرون يعتبرونها مكسبا و كأنّهم ناضلوا، ثاروا فجاهدوا من أجل الوصول إليه ، و اليوم يمنحون أنفسهم حق الركون إلى الراحة ليشتغل غيرهم مكانهم و في حقيقة القول زرعُهم بدأ صفرا و انتهى حصادهم كذلك . قرأتُ في ما تصفحت أنّ سكّان ولاية ما ينتظرون من واليهم الجديد ما يشبه أن يكدّ و يجدّ و يجتهد و يثابر لعلّه يصل إلى أن يفرش لهم الأرض زهرا و أقحوانا، بعد أن يلبي كلّ الرغبات و يحقق المطالب العالقة منذ عادٍ. وفي المقابل ماذا يفعل أولئك المطالبون، وقبل ذلك ماذا فعل أولئك لولايتهم أو بلديتهم بل لبقعتهم التي يتقاسمون مساحتها و قد أحالوها إلى مفرغة ضاقت بها الرحاب، في غياب تام لأدنى التحلي بروح المسؤولية تجاه هذه المدينة التي أتعبها شذوذ ردة فعل سكانها تجاهها، مع أنّها منحتهم ما استطاعت قبل أن تخور قواها و ينهكها انحراف نزلائها في اعوجاج يعبّر عن نفسه بنفسه من خلال ما تراه في كل الشوارع . يبصقون في الطريق مع ما له من الحقّ، وداخل وسائل النقل العمومية ويغيّرن حفاظات رضّعهن في الترام و يتخلصون من «الكارثة» قبل أن يرتدّ إليك طرفك . حيطان المدينة تشبه آثار حرب بونيقية وينتظرون أن يصبغها الوالي، التصدّعات في العمارات تكاد تهوي بها على الرؤوس وينتظرون أن يرممها الوالي، الماء على قلّته تستحمّ به سيّاراتهم في الدروب و على الوالي أن يوفّر عذبَه و أجاجَه ، كم كان ينقص الوالي أن يتلقّح مكان ... مليون مواطن ممّا تعدُّ الولاية ! هل وال مسؤول على سلوك خلق يدّعي المواطنة بالوراثة و يرمي قاذوراته في الأزقة؟ ترى الحفّاظات و الكمامات والمناديل الصحية و بقايا الأكل و ردوم البناء و أكياس البلاستيك التي تلطم وجهك في غفلة من أمرك ، و كل هذه التركة تحوم حولها جحافل البعوض و الذباب و تقابل في نشرية الغد عنوانا اكتسح بنطا عريضا و بعلو نبرة : السكان ينتظرون من الوالي ..» .