ح/سامية رغم حرارة الجو ونسبة الرطوبة المرتفعة خلال هذه الصائفة، إلا أن زيارة المواطنين للحمامات الشعبية وعلى رأسها حمام ملوان لم تنقطع، فبالإضافة إلى أنه يوفر الاستجمام شبه المجاني، فهو مكان لا يخل من الأسرار العلاجية حسب مرتاديه يشفي من الأمراض الجلدية والعقم والكثير من الأسقام. روايات عجيبة تلك التي تسمعها عن مياه حمام ملوان ترويها لك عجائز يؤمن بمعجزات مائه المالح، وحتى صبايا في عمر الورود جربن مفعوله في التخلص من "الثقاف" والظفر بعريس أو زوجات تأخرن في الإنجاب فنصحن بالاغتسال في هذا الحمام التقليدي الذي تسبقه سمعته بين الجزائريين، إلا أن الزائر لهذا الحمام العتيق وبمجرد أن تطأ قدماه المكان يكتشف اهتراء جدرانه المتآكلة التي تكاد تصرخ بأعلى صوتها" رمموني"، ومع ذلك لا أحد يأبه لا لقدم المكان ولا للقذارة التي تكلأه ولا لسوء الاستغلال، الذي يعكس سوء تقدير المسؤولين لكل ما هو تقليدي في هذه البلاد.
"طقوس غريبة للشفاء من المس والسحر"
غالبا ما يلاحظ الزائر عند مدخل الحمام التفاف الناس حول مريض ما، قد لا يكون حتما مصابا بالروماتيزم ولا بأمراض جلدية كما المعتاد، بل مصاب بمس من الجن أو سحر أفقده جادة صوابه، يجمع أهله على إدخاله للاغتسال بالمياه المباركة، وما أن تطأ أقدام المريض الحمام ويتم الاغتسال حتى تسمع الصراخ الذي يتعالى من كل حدب وصوب للمرضى، مما يشيع جوا من الرهبة والهلع في الحمام يثير مخاوف الأطفال وانزعاج بقية المصطافين. هند هي إحدى الفتيات اللواتي جيء بهن لذات السبب، حيث تروي والدتها بأنها تعرضت لمس الجن أو السحر، فلا أحد -حسبها – استطاع أن يحدد مصاب ابنتها وكل هذا حسب ما ترويه الوالدة بسبب الحسد والحقد، حيث لا تستبعد أن تكون إحدى القريبات أو الجارات من كادت لابنتها حتى تفسد عليها حياتها، دراستها ونصيبها، فقد كانت البنت في حالة جيدة، لكن حالها تغير بين ليلة وضحاها مباشرة قبل امتحانات البكالوريا، والغريب أن الأم لم تشك أبدا بأن السبب قد يكون الخوف أوالصدمة، وكل ما خطر على بالها هو السحر بسبب الحسد
"عوينة البركة والأسرار العجيبة"
يفضل أغلب العاصميين ارتياد حمام ملوان لعدة أسباب أهمها أسعاره التي تعد في متناول الجميع، بحيث لا يتجاوز سعر الاستحمام بمياهه العلاجية 400 دج، بل أنهم لا يجدون بديلا عنه لأنه يظل القطب السياحي المحاط بثقافة شعبية اختلطت فيها الحقائق بالخرافات، خاصة ما يتعلق ب"عوينة البركة" وهي العين الساخنة أو منبع الحمام الطبيعي التي يشاع الكثير عن فوائدها العجيبة، خاصة من طرف النساء كبيرات السن اللواتي يحاولن نقل ثقافتهن للأجيال الجديدة من الفتيات والنساء. ويزيد إصرار هؤلاء على بناتهن وكناهن للذهاب إلى "عين البركة" في حالات معينة لا علاقة لها بالعلاج الطبيعي بل بطقوس أخرى ارتبطت بها الحمامات المعدنية ببلادنا منها الشفاء من العقم، حيث تشير روايات هؤلاء النسوة إلى الكثير من الحالات التي كانت تعاني من تأخر الإنجاب، لكن بعد الاغتسال من هذه العين المباركة تم المراد وحصل الحمل، فيما تغتسل أخريات من نفس العين للتخلص من تعطيل الزواج أو ما يسمى بالمفهوم الشعبي ب"الثقاف" ليحظين بعدها بالعريس، ومن المعتقدات الشائعة أيضا أن العين الحارة تشفي الصبيان والفتيات من إصابات العين، إذ يكتفي الاغتسال منها حتى يشفى "المعيون" من أعراض العين والحسد.
"أساطير يتناقلها أهل المنطقة والزوار"
ارتبط حمام ملوان في الروايات الشعبية بقصة ابنة الداي حسين التي أصابها طفح جلدي شوه جمالها وجلدها، ولم يفلح الأطباء في علاجها إلى أن نصحه البعض بأخذها إلى حمام ملوان لأن مياهه العجيبة لديها قدرة على مداواة الجلد من أي طفح، بالذات إذا كانت من "صهريج العروس" وبمجرد أن لامستها مياه الحمام حتى استعادت جمال بشرتها الذي كان أذهبه المرض. ولعل هذه الرواية تفسر لنا إقبال الفتيات والنساء على المياه الحارة لإضفاء الصفاء على بشرتهن، ولا يكتفي طالبوا الشفاء والجمال وفك العين والعقد بالاستحمام من الماء المعدني الحار لعين البركة، وإنما يجلبون معهم الشموع ويشعلونها بنية الشفاء أو الحصول على المراد تماما كما يحدث بأضرحة الأولياء الصالحين، كما يربطون الحناء لنفس الغرض، وتعد الشموع والحناء من طقوسنا الشعبية التي لا تخف على أحد. كما نجد بالمحطة المعدنية لحمام ملوان على قبة يطلق عليها " قبة سيدنا سليمان"، وهي حمام جماعي، تقول الأساطير أن سيدنا سليمان مرّ بها في رحلة استجمام بعدما استكشفها له الجن، وتضيف الحكايات أن النبي سليمان اختار لمرافقته جنا أصما وأبكم حتى لا يعرف شيئا عن أسرار هذا الحمام وقدرته على شفاء الأمراض والأسقام الجسدية منها والنفسية.
استثمار مربح لتجار الصناعات التقليدية مع عودة الأمن إلى ربوع الوطن واستتبابه عادت معه حركة تجارية قوية بالمنطقة، حيث استغل عشرات التجار والحرفيين توافد المصطافين والسياح من كل ربوع الوطن على هذه المنطقة السياحية في التكسب، حيث باتت تجارتهم المتواضعة والتقليدية لا تخش الكساد بفضل توافد الزبائن الذي لا ينقطع خلال الفصول الأربعة من السنة. و تشير إحصائيات إلى توافد 1500 زائر عليه خلال اليوم الواحد. وتتنوع البضائع المعروضة من ألبسة تقليدية محلية، وتحف يدوية على رأسها الأواني التقليدية المصنوعة من الفخار على غرار "الطواجن" التقليدية التي تتهافت عليها العاصميات لجودة صنعتها وارتباطها بالمكان وكذا المصوغات الفضية والإكسسوارات المختلفة، ناهيك عن أواني الفخار التقليدية والطواجن المختلفة وبعض مصنوعات الدوم والقش التي مازال يتمسك بها أهالي المنطقة ويسعد الزوار بالفرجة عليها خلال جولاتهم ويقتنون منها كتذكار، خاصة منهم المهاجرين الذين يقبلون على الحمام في فترة الصيف بكثرة، ما يجعل للحمام نكهة سياحية لا تفوتها الأسر خلال عطل نهاية الأسبوع، حيث تتوافد جحافل المواطنين على المنطقة. ولعل أكثر ما يروقهم في هذه المنطقة السياحية هو التجار الذين يخلقون جوا فريدا واستثنائيا ببيعهم للدواجن الحية من دجاج عربي وديكة وأوز وبط وحجل، فيما تشهد المنطقة تفشي ظاهرة عمالة الأطفال على مختلف أعمارهم، خاصة في العطلة الصيفية حيث تراهم يصطفون لبيع المطلوع الذي يطهى على الطريقة التقليدية والتي تسمى محليا ب"الكوشة العربية"، بالإضافة إلى الفواكه على أنواعها والتي تتغير بتغير الموسم، وبعضهم يمتهن هذه التجارة الحرة على مدار العام بعد أن تخلى عن مقاعد الدراسة والتزم بمساعدة عائلته على مشقة الحياة وأعبائها الثقيلة.
للإشارة، يقع حمام ملوان شمال شرق عاصمة المتيحة بالبليدة، تبعد عنها بحوالي 34 كلم وعن العاصمة الجزائر ب 37 كلم، تعداد سكانها يناهز ال 10 آلاف نسمة، ينحدر معظمهم من أصول أمازيغية، عرش بني مسرة أهم العروش وأكبرها بمنطقة الأطلس البليدي، أصبحت اليوم حمام ملوان قطبا سياحيا هاما بالمنطقة. وحمام ملوان، ليس المحطة المعدنية والسياحة الصحية فقط، فهو يوفر الفرجة للمصطافين القادمين من كل ولايات الوطن وحتى من خارج الوطن، حيث يحظى بمناظر طبيعية خلابة تحيط به، على رأسها الواد الذي يستغله المصطافون للاستجمام والغذاء وتغيير الجو، ليبقى حمام ملوان بهذا الشكل هو الوجهة المفضلة للمصطافين "الزوالية".