البارحة وأنا أشاهد أحد البرامج على إحدى القنوات، كان عنوانه "أكثر المشاهد والقصص غرابة "، تراوحت هذه المشاهد بين الرهيبة والغريبة والطريفة والمخيفة والخارقة للعادة، استوقفني مشهد لم تتواتره الألسنة وليس مجرد قصة نمقتها مخيلة روائي أو قاص، بل هي حقيقة عاينتها بأم عيني، لأن مشاهدها صورت من قبل أحد المصورين كان هدفه متابعة نمر من نمور "تنزانيا" وإعداد شريط وثائقي حول حياة هذا المخلوق الذي يصنف ضمن أشرس وأشد الحيونات فتكا. وخلال التصوير والمتابعة كان ذلك النمر يتربص بأحد القردة الغريب الشكل (حتى اسمه كان غريبا ولا أستحضره)، وكعادته وفطرته وفي لمح البصر إنقض على ذلك القرد ليصبح جثة هامدة بين يديه، و في أثناء جرّه إلى أعلى جذع شجرة سمع صوتا يصدر منه رغم أنه كان قد مات، فاستغرب الأمر فنظر إلى فريسته فإذا هي قردة حامل وليست قردا، و إذا بالصوت الذي سمعه هو صوت مولودها يخرج من رحمها، فقلت في نفسي سبحان الله الذي خلق روحا من روح لازالت تموت (و هنا أشهد للمصور أنه كان محترفا وبارعا في تصوير أدق التفاصيل)، لقد صور نظرة الفهد إلى ذلك المشهد المروع، نظرة رأيت فيها إحساس الحيوان بالذنب ورأيت فيها الجانب الإنساني من الحيوان. بعدها ربض ذلك الفهد الشرس على ركبتيه وتحول إلى أرنب وديع ينظر إلى فريسته وكأنه يستسمحها وكأنه يريد أن يكفر عن ذنبه، وبعد مراسيم العزاء التي كان فيها هو الفاقد والمواسي نظر مستدركا إلى المولود الذي يتّمه يوم مولده وتقدم إليه بخطى تنم عن خجل منه، فطفق يلعقه مثلما يلعق مولوده، ويلملم عليه بمخالبه التي تحولت إلى راحة ملساء عله يمنحه ما تمنحه أمه يوم مولده، وتبناه لمدة أسبوع يحاول أن يحيي فيه بدل الروح روحين –روحه وروح أمه التي افترسها – لقد امتنع ذلك النمر عن الأكل (ربما حتى الحيوان تسد شهيته عند إحساسه بالذنب، أو ربما هو صيام منه لكفارة الافتراس والتيتيم). وفي هذه اللحظة بالذات تذكرت يوم شهدت مراسيم تغسيل ضحايا المجزرة الجماعية لسكان مزرعة بوغلاف ببوقرة ولاية البليدة سنة 1997، والتي راح ضحيتها ما يفوق المئة، تراوحت أعمارهم بين الرضع والأطفال والنساء والشباب والكهول والشيوخ، وتذكرت مشهد المرأة الحامل التي ذبحت من الوريد إلى الوريد، كانت تلبس جبة قماشها حرير أبيض التصقت ببطنها المنتفخ بفعل شلال الدماء الذي نزف من رقبتها، تلك البطن التي كان تحمل بداخلها روح أجهضت – و أي جرّاح أجرى عملية الإجهاض- تذكرت تلك المرأة التي رأيتها يومها وأنزلتها بيدي من شاحنة حمّلت بعدد الموتى، بقدر ما كانت تحمّل بعدد حبات (القرافيي الرمل الذي كانت تحمله في أشغال البناء للبلدية). تذكرت تلك المرأة الحامل وراودتني عدة تساؤلات وهواجس، فقلت سبحان الله من الحيوانات ما بداخله إنسان، ومن الإنسان ما بداخله شراسة الحيوان. من الحيوان ما يستهل العيش في المدنية، ومن البشر ما لا يليق به سوى الأدغال، وقلت حتى داخل الحيوان المفترس رحمة بفريسته (ذهبت إلى حد القول إنه حتى للحيوانات ديانات تحرم قتل الحامل، وقلت ليت تلك المرأة كانت فريسة لهذا النمر عله كان سيرأف بها، وأي دين هذا الذي قتل تلك المرأة، بل و أي صنف من أصناف الحيوانات المفترسة ذلك الذي ذبح تلك المرأة و أهل تلك المزرعة، وأي مخلوقات تلك ومن أي كوكب جاءت لتعشش في بلد اسمه الجزائر). إسماعيل شامة