دِيما – خِير بقلم: فتيحة زماموش ماذا لو طرق باب بيتِك ذلك الشّخص الذي علَّمكَ يومًا أن المشي مُفيد للصحة، وفيه الكثير من المتعة والكثير من سرد الأحلام بلا خوف، ذلك الشخص الذي علّمك أن الدروب الوعرة مهما توجسنا من تخطيها فهي في النهاية مسار عليك أن تسلُكه، فكل الطرقات تؤدي إلى تحقيق حُلم بل أحلام. ماذا ستقول له؟، كيف ستُعامِله؟، هل تُحضِّر له فِنجان قهوة بماء الورد؟ أم كوب شاي بالنّعناع؟ أم تتسمّر واقفا أمام الرواق المؤدي لغرفة الضيوف، مندهشا تُحاوِل أن تجمع شتات الصور والمشاهد وملامح البشر الذين مرّوا على فصول حياتك، تحاول تفقّد عناوين الشّوارع والأماكن التي مشيتها برفقته قبل سنوات؟ أم تحمِل كوب ماء تشربه لعلّه يروي عطشك المُفاجئ؟ هذا الوجه غير غريب عن الذّاكرة،هذا الوجه حيّرها، ودَغدَغَ خلاياها لتُعِيد شريط الأحداث، لم تتمكَّن من الإمساك بصورة أو مشهد أو لقطة تُزيح ضَباب الأسئلة: من هو؟ أين التقيته؟ يا إلهي: "أنا مُتأكّد أني أعرفه لكن أين وكيف؟". البِدايات نعم؛ هل تذكّرته… نعم نعم، ذلك الإنسان الذي هرعت إليه فَجَبَر بخاطرك، حتى تُطلق مشروعك الصغير، شجّعك وبارك لك الخطوة الأولى، ودعا لك بالتوفيق في الثانية والثالثة، وأقرضك مالا دون تردُّد، رغم أنه لا يملِك سوى مدخوله الشّهري البسيط، نعم نعم إنّه الشخص الذي فتّش في جيبه، ثم في حسابه حتى يعطيك كلّ ما يملِك من مُدّخراته قبل سنوات: مليون واحد، اثنان، ثلاثة، أربعة، خمسة، …. المهم أن لا يردّك خائبًا، ويمنع عنك الوقوف أمام أبواب أخرى. لم يبخل عليك، وسدّ عجزك دون أن يجرحك، استجاب لطلبك دون أن تنطِق بهمسة، الأهم بالنسبة له أن تحقّق طموحك، فنجاحك نجاحه وانجازك انجازه، كان السّند لتصبح أحلامك حقيقة. تمرّ الأيام، وتتسارع الأحداث معك، أشرقت شمس أحلامك، أصبحتَ اليوم صاحب اسم ومكانة وتملك بدل المحلّ محلات، أظهرت لك الدنيا محاسِنها، وتعرّفت على الكثيرين، وقائمة الأصدقاء كبُرتولكِنّك غِبت طويلا عن صديقك. اختفت صورته، ومحتها الأيام، مع حركة حياتك الجديدة وزخَمها، ومشاريعها، حياة لا مكان فيها للبسطاء والحالِمين، تتوقف ذاكرتك عند تفصيل مهمّ، لا يمكنك أن تبقى برفقة صديق يُذكّرك ببداياتك، باحتياجاتك القديمة، بشخص يذكرك بسيناريو ماضيك: أين كنت وكيف صِرت؟؛ اليوم تخشى على سُمعتك وصَيْتك، تطمع في الحفاظ على مظهرك المشعّ البراق، بل تخجل من أن تُقابِله لأنّه يُذكّرك بأولى خطواتك التّعيسة والباردة.
تأبى النسيان هناك في طرقات المشاريع، ديون معنوية، دروس في شكل أصدقاء، عابري سبيل، أشخاص نصادفهم في وقت الحاجة، لا يمكن نسيانهم، حتى وإن أخذتنا جلبةالحياة، مثل هذا الصّديق، الذي مَثَّلت أجرته تفريج لضائقة. فهل تذكّرته؟، هل تمكّنتَ من تشكِيل قِطع الصورة المُبعثَرة في أعماق الذّاكرةمن جديد، هل اتّضحت لديك ملامِحه؟ نعم نعم إنّه هو، ماذا تقول له لودقَّ الآن بابَ بيتِك؟ إنه أحد الدُّيون التي لا تُردّ؟