شتان بين رمضان هذه السنة ورمضان المتفرد والاستثنائي للسنة الماضية 2020 أين عاشت البشرية وباء استثنائيا غير مسبوق من حيث الانتشار والفتك على مستوى الأرزاق والأرواح معا (صحيح لايزال الوباء موجودا ولكن ليس بنفس الحدة والخطورة والفتك والتأثير)، يأتي رمضان لهذه السنة وقد خفت في الجزائر نسب الإصابات والوفيات بالإضافة إلى أن الحجر المنزلي الذي كان صارما جدا رمضان الماضي لم يعد كذلك تماما في جل ولايات الوطن، ينضاف إلى أن الإجراءات الاحترازية كذلك تم تخفيفها ولم يعد الوباء يشكل أي خطورة على الأقل في الظرف الحالي دونما الحكم على المستقبل الذي لا نعلم كيف ستؤول فيه الأمور والمستجدات. بعدما تنفسنا الصعداء هذه السنة أصبح لزاما علينا أن نأخذ مجموعة من العبر والدروس التي لا مفر للإنسان من استخلاصها والعمل بها خاصة في هذا الشهر العظيم: نعمة الحرية التي لم نحس بقيمتها إلا بعد فقدانها، ففرق شاسع بين الصوم والحركة والتسوق والعبادة من دون حجر صحي ولا ضغط من الوباء علينا وعلى أنفسنا وعائلاتنا، وبين الصوم الذي عشناه بلا طعم ولا رائحة رمضان الماضي في ظل حجر متشدد وعبادة للصوم خالية من المعنى الاجتماعي والروحي. غابت في رمضان الماضي الروح الاجتماعية التي يتميز بها شهر رمضان المعظم من إفطارات جماعية وزيارات عائلية وصلوات جماعية وسهرات رمضانية لم نكن ندرك أهميتها ولا عمقها ولا تأثيراتها الإيجابية على النفس والأسرة والمجتمع معا إلا بعد فقدانها في رمضان الماضي حيث أجبرنا الحجر على تغيير سلوكياتنا وأنماط حياتنا بما في ذلك شهر رمضان الذي يأبى هكذا تضييق بحكم طبيعته ومراميه الروحية والإيمانية. ستعود في هذا الشهر الفضيل صلوات الجماعة والتراويح بعدما منعت عنا بحجم الوباء الفتاك، فلطالما اعتبرناها روتينا وعادة رمضانية دخلت في سياق السلوك العادي، لكن أدركنا مدى عمقها وضرورتها في حياتنا في هذا الشهر بعدما رفع الحجر في أغلب إجراءاته وتوقيته، ليعلمنا رمضان مجددا أن العبادات الجماعية دواء للمجتمع وتلاحم للأمة وأن غيابها يعتبر بمثابة غياب الشمس على الأرض والعافية للأبدان. رمضان هذه السنة من دون كورونا يعلمنا كيف أن صحة الأبدان نعمة من نعم الله العظمى لم ندرك قيمتها هي الأخرى إلا بعد رمضان الماضي الذي فقدنا فيه الكثير من الأحبة والأصحاب والخلان، بالإضافة إلى الأزمات المالية والنفسية التي ألمت بالجميع وضاقت أرزاق الناس خاصة في شهر رمضان الذي يعرف بمصاريفه الكثيرة فكان بحق شهرا للابتلاء العظيم ليس من الصيام بل من الوباء وضيق الحال. رمضان هذه السنة هو فرصة للاستدراك الكبير لما فات برمضان الماضي استدراك للأجر واستدراك للصحة والعافية واستدراك للطاعات واستدراك لعمل الخير (والذي لم يتوقف أبدا حتى في زمن الوباء) استدراك للمة العائلية، استدراك للعبادات التي افتقدناها، استدراك لصلات الأرحام التي حرمنا منها تحت الجبر والمنع الصحي، استدراك الراحة النفسية في كنف مدرسة الصيام وشهر العبادات، استدراك الألم والحزن والفراق الذي عاشه الكثير من الجزائريين على غرار كل مسلمي الكرة الأرضية والبشرية جمعاء. تعلمنا هذه المحطة الجليلة وتذكرنا بعظمة الخالق وقدرته المتفردة والتي يمكنها أن تزيل هذا الكون في لمح البصر، ففيروس صغير أتى على أخضر البشرية ويابسها، وان الإنسان ما هو إلا كائن ضعيف مدع للقوة والجبروت والعظمة في حين أنه جرم صغير لا حول له ولا قوة مع عظمة الخالق الذي نعصيه ويغفر لنا ننساه ويتذكرنا نتحداه ويرحمنا. أدركنا كيف أن شريعتنا الإسلامية رحيمة في قوانينها وخبيرة بأنفسنا الضعيفة لذلك لم يفرض الصيام على فئة المرضى، أدركنا ذلك عندما عاش المصابون هول الألم الذي خلفه وباء كورونا وكذلك عائلاتهم التي عاشت المصاب معهم، جاء رمضان ليذكرنا برحمة الله تعالى في استثناء المرضى والعاجزين من وجوب الصيام رغم أهمية هذا الشهر العظيم كونه الركن الثالث المتين من أركان ديننا الإسلامي الحنيف والخالد. شتان فعلا بين رمضان كورونا ورمضان وبلدنا ينعم بالصحة في ظل انحصار نسبه وتراجع إصاباته وفتكه ووفياته، فالحمد لله على نعمه الكبيرة. يبقى السؤال الكبير المطروح: هل سيتعلم الإنسان هذه الدروس التي أصبحت متجلية أمامه أم أنه سيعيد الكرة في عالم الظلم والفساد والجبروت والطغيان؟