روى الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما، في قوله تعالى: ''مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا''، قال: فجعل الله مثل الذي يقرأ الكتاب، ولا يتبع ما فيه، كمثل الحمار يحمل كتاب الله الثقيل، لا يدري ما فيه . قال القرطبي: وفي هذا المثل تنبيه من الله تعالى لمن حمل الكتاب أن يتعلم معانيه، ويعلم ما فيه؛ لئلا يلحقه من الذم ما لحق هؤلاء. وينطبق عليه قول مروان بن أبي حفصة: زوامل للأشعار لا علم عندهم بجيِّدها إلا كعلم الأباعر لعمرك ما يدري البعير إذا غدا بأوساقه أو راح ما في الغرائر وقال ابن القيم: '' فهذا المثل وإن كان قد ضُرب لليهود، فهو متناول من حيث المعنى لمن حمل القرآن فترك العمل به، ولم يؤد حقه، ولم يرعه حق رعايته ز . فمن كان حاله كذلك، انطبق عليه المثل انطباقه على اليهود، وربما كان وجه الانطباق على المسلم أشد وأقوى؛ لأن القرآن هو آخر الكتب السماوية، فهو أولى بالاتباع، وأحق بالتمسك به؛ لأنه ناسخ لما سبقه من الكتب، ومهيمن عليها . ثم إن مضمون هذا المثل وفحواه ذو صلة وثيقة بشكوى رسول الله صلى الله عليه وسلم، التي عبر عنها القرآن الكريم بقوله: ''وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا'' (الفرقان:03)؛ فعدم الأخذ بالقرآن منهج عمل ودستور حياة، صورة من صور هجرانه، وحفظ القرآن من غير العمل بما فيه، صورة أخرى من صور هجرانه، وكل هذا يصدق عليه، ما جاء في هذا المثل القرآني . فلا ينبغي للمسلم ولا يليق به بحال، أن يكون كاليهود الذي قرؤوا التوراة ولم يعملوا بما فيها، بل عملوا بخلاف ما فيها، فضُربت عليهم الذلة والمسكنة، وباؤوا بغضب من الله، وخسروا في الدنيا قبل الآخرة، وحق عليهم قوله سبحانه: { بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله } (الجمعة:5)؛ فذمهم الله على موقفهم ذلك، وجزاهم بما عملوا أن أبعدهم عن سابغ رحمته، وجميل فضله.