أكد الأمير الحسن بن طلال، رئيس منتدى الفكر العربي، ورئيس مجلس أمناء المعهد الملكي للدراسات الدينية بالأردن، على أهمية ثمين النطاق المشترك بين المسلمين والغرب وتأكيد نقاط التماس والالتقاء الكائنة بين ثقافة المسلمين الأصلية والثقافة الغربية، والأخذ دوما بالمشترك الإنساني الذي يجمع ولا يفرق". واعتبر في حوار خص به "الخبر" على هامش المؤتمر العالمي "الأديان والمعتقدات ونظم القيم" في جنيف، أن "العلاقات الإسلامية والمسيحية واليهودية في بلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس مثلت نموذجا فريدا طيلة قرون طويلة كانت فيها أوروبا غارقة في قرونها المظلمة". • تعتبرون، سمو الأمير، الحوار بين المسلمين والمسيحيين واليهود ضروريا. كيف تعتقد نجاحه في ظل الحروب التي يمولها الغرب ضد العرب والمسلمين؟ توحي الحروب المشار إليها بوجود صراع حتمي ومستمر بين عموم الغرب وعموم العرب والمسلمين، ما يزيد من حدة المشكلة ويغذي الصراع الفكري والأيديولوجي بين هذه الأطراف. ويمثل ربط الحوار بين أتباع الديانات السماوية والحروب تعميما كاسحا غير مبني على وقائع، حيث إننا نجد عددا من الدول الغربية يساند قضايا العرب والمسلمين، ومن بينها دول لا تمول الحروب ضد العرب والمسلمين ولم تكن طرفا في أي صراعات ذات صلة بالعالمين العربي والإسلامي. إن المسؤولية عن نجاح الحوار بين أتباع الديانات تقع على عاتقنا جميعا. وسيكون هذا النجاح أكثر فاعلية عندما نقوم ببناء نماذجنا الداخلية للحوار في مجتمعاتنا ودولنا العربية والإسلامية. • كيف التعامل مع الأحكام المسبقة والصور النمطية اتجاه المسلمين والإسلام في الغرب؟ اختزنت الثقافة الغربية منذ القديم تصورات عن الإسلام والمسلمين تعود إلى بدايات ظهور الدعوة، ولم تخل هذه التصورات من التشويه. كما ساهمت في إيجاد نموذج نمطي للمسلم في المخيال الغربي. واتسمت هذه الإدراكات والصور الأولى التي كونتها المخيلة الغربية عن الإسلام بكونها باهتة وغامضة. فهي لا تستند في عمومها إلى اطلاع ومعرفة كافية بأصول الإسلام ونصوصه التأسيسية. إن استقراء هذه الصور النمطية وتفكيك أبعادها يمكن من فهم تاريخ هذا الصراع بين الغرب والعالم الإسلامي وما ترتب عليه من نتائج وأحداث. وفي الفكر الغربي المعاصر، تتم صناعة صورة الآخر "المسلم" التي لا تتطابق وجوبا مع المعطيات الموضوعية المكونة لصورته. وفي هذا الإطار، تبرز ظاهرتا الاستشراق والإسلاموفوبيا. وإذا لم نتمكن (عربًا ومسلمين) من إقامة حوار صريح مع الذات والهوية، فلن ننجح في إقامته مع الآخر. إن فهم الآخر فهما موضوعيا يجنبنا الوقوع في شراك التصادم غير المثمر، ولا يتم ذلك إلا بفهم ذواتنا من خلال الشورى والعقلانية الواعية المسؤولة والمنتمية بين المذاهب الاسلامية وضمن البدر الاسلامي الموحد. ويتحقق هذا الفهم بالعودة العقلانية إلى جوهر هويتنا وشخصيتنا وثقافتنا.. إن غياب التفكير الناقد هو الذي يسمح بانتشار تلك الصور النمطية، وسواء أكان موضوع تلك الصور هو الإسلام والمسلمين أم اليهودية والمسيحية، فالخلل هو نفسه. وهنا تحضر المسؤولية الأخلاقية للإعلام والتعليم في احترام الموضوعية والإنصاف وتقديم المعلومات والمعرفة للناس بموضوعية تنأى بها عن المصالح السياسية والاقتصادية والمآرب الشخصية. • ما السبيل إلى تقليل الفجوة وحِدة الصراعات بين الغرب والعالم الإسلامي؟ يتمثل الوجه الآخر للإسلام في الغرب بكونه منظومة حضارية لها قيمتها في الحضارة الكونية، من زاوية التثاقف والمغايرة. ولا بد من تثمين نطاق المشترك بين المسلمين والغرب وتأكيد نقاط التماس والالتقاء الكائنة بين ثقافة المسلمين الأصلية والثقافة الغربية، والأخذ دوما بالمشترك الإنساني الذي يجمع ولا يفرق. وعندما تستحكم فكرة الصراع وتسيطر نظرية المؤامرة، يكون التشبث بالهوية دفاعا مستميتا عن الذات أكثر من كونه وعيا بالذات. إن تقليل الفجوة والحد من الصراعات بين بعض الأنظمة السياسية والعالم الإسلامي يبدأ من الذات ومراجعة مقدراتها ومقوماتها، كما يكمن في عدم القبول بسطوة النماذج السلبية للآخر. فالغرب، مثلا، لا يمثل نقيضا عرقيا أو دينيا للإسلام، فهو يشتمل ديمغرافيا على ملايين المسلمين والعرب الذين أصبحوا مواطنين فاعلين ومنتجين في مجتمعاتهم الغربية. وتقع المسؤولية، أولا، على من يملك نطاقا معرفيا وأخلاقيا أكثر اتساعا وأعمق مضمونا. فعلى المسلمين العمل على تصويب ما علق بصورتهم وصورة دينهم من تشويه مسيء ومشين، وتقديم نماذج مشرقة عن أنفسهم بأنفسهم. وهنا تجدر الإشارة إلى النماذج المضيئة للعلاقات بين أتباع الديانات في مجتمعاتنا الإسلامية؛ بعيدا عن الاستثناءات التي وقعت مؤخرا على يد المجموعات المتطرفة. فالعلاقات الإسلامية والمسيحية واليهودية في بلاد الشام والعراق والمغرب العربي والأندلس مثلت نموذجا فريدا طيلة قرون طويلة كانت فيها أوروبا غارقة في قرونها المظلمة.