تداعى الجزائريون عبر مواقع التواصل الاجتماعي إلى التظاهر اليوم في ثامن جمعة منذ 22 فيفري 2019، فيما أطلقوا عليه ”لا للعودة إلى نقطة الصفر”، حيث اعتبروا أنّ القرارات الأمنية والسياسية التي أطلقتها السُلطة خلال الأسبوع الجاري، خاصّة خطاب رئيس الأركان قايد صالح أول أمس، والتضييق الأمني، وتنصيب عبد القادر بن صالح رئيسا للدولة، كلها محاولة لإجهاض الحراك الشعبي، .وأكثر من ذلك محاولة للعودة بالجزائريين إلى الوراء! في وقت كان الجزائريون بعد مسيرة الجمعة الماضية 5 أفريل ينتظرون اتخاذ السُلطة إجراءات تصبّ في اتجاه تلبية مطالب الشّعب، جاء الرّد من خلال سلسلة من القرارات التي كانت لها نتائج عكسية، أرادت بها السُلطة إخماد الاحتجاجات لكنها تسببت في حشدِ الجماهير لمُواصلة التظاهر السِلمي. واتخذت السلطة خلال الأسبوع الجاري منعرجات خطيرة منذ بداية الحراك الشعبي، منها 3 محطات هامة. القمع أول محطة هي قمع المتظاهرين السلميين، حيث تعرّض إلى التعنيف عبر الاستجواب أو الاعتقال، أو حتى القمع بالغاز المسيل للدموع وخراطيم المياه، كل من نقابيي الاتحاد الوطني للعمال الجزائريين المناوئين للأمين العام عبد المجيد سيدي السعيد يوم السبت، ومجموعة من الفنانين والمواطنين المحتجين بقرب البريد المركزي يومي الأحد والاثنين، والطلبة الجامعيون يوم الثلاثاء، ومواطنون وطلبة وأساتذة ونقابيون أوّل أمس الأربعاء. وتواصل الحل الأمني أمس عبر تطويقٍ كاملٍ للجزائر الوسطى وخاصّة شوارع ديدوش مراد، كريم بلقاسم، وساحات أول ماي، البريد المركزي وموريس أودان، وغيرها، بشاحنات ومركبات مصالح الشرطة، مانعة أي مواطن من الوقوف أو الجلوس أو حتى الاقتراب من مقر البريد المركزي، كما ضيّقت الخناق على المواطنين المُحتجين وحتى صحافيين. ويرى الجزائريون أنّ هذا التغيّر في المُعالجة الأمنية مُحاولةٌ للعودة بهم إلى نقطة الصّفر، وهو ما يرفضونه جملةً وتفصيلا، كونهم تخطوا حاجز التخويف الأمني منذ 22 فيفري، وعادوا إلى التظاهر في الشارع، ولا مجال لأن ”يُختَطَفَ” منهم هذا المكسب، خاصّة أنّ المسيرات الشعبية التي انطلقت منذ شهر ونصف الشهر بقيت سلمية ولم تقع أي تجاوزات تُذكَر تدعو مصالح الأمن إلى تغيير طريقتها في التعامل مع المحتجين، حتى أن من بين العبارات والشعارات الأكثر ترديدا منذ بداية الحراك ”الشرطي خويا مشي عدويا”، ”الشرطي نتا شعبي”، وهو الأمر الذي أظهر أنّ الجزائريين يُفرِقون جيدا بين المؤسسات وبين المسؤولين عن المؤسسات، سواء الأمنية أو المدنية. بن صالح رئيسا أما ”الصّدمة” الثانية التي تعرّض لها الجزائريون في نفس الأسبوع فهي تنصيب عبد القادر بن صالح رئيسًا يوم الثلاثاء، وذلك رغم رفض الجماهير له، وهو الرفض المعبر عنه منذ بداية الحديث عن اللجوء إلى تطبيق المادة 102، وبالتالي إمكانية تولي رئيس مجلس الأمة (السابق) رئاسة الجمهورية مُؤقتا، ورغم ذلك الرّفض مضت السُلطة في نفس الحلِ، ما جعل الجزائريين يتيقنون أنّ السُلطة لا تنوي الخضوع والاحتكام إلى ما يطلبه الشارع، بقدر ما تنوي الالتفاف على مطالبه وتجديد جلد النظام فقط. ”تراجع” ڤايد صالح؟ كما ساهم خطاب رئيس الأركان ڤايد صالح من الناحية العسكرية الثانية أوّل أمس في رفع درجة الحشد بين المتظاهرين، بعدما أظهر المسؤول ما يُوصف بالتراجع عن مساندة الحراك الشعبي، بعد الدعوة إلى وقف التظاهر بحجة أن استمرارها يلحق أضرارا بالاقتصاد الوطني ويُعمِق الأزمة الاجتماعية. ورغم أنّ الجزائريين كانوا قد فقدوا الثقة في جميع رموز النظام البوتفليقي وطالبوا بتنحيهم الفوري وانسحابهم من المشهد السياسي، بل ومُحاسبة المُتورطين منهم في قضايا فساد أو نهب للمال العام، رغم ذلك كله فقد اعتقدوا أنّ رئيس الأركان قايد صالح قد اصطفّ إلى جانب حراكهم السلمي بعد عددٍ من الخطابات التي وصف فيها مطالبهم بالمشروعة، وبعد مناداته لتطبيق المادتين 7 و8 من الدستور، قبل أن يُفاجئوا بخطابه أوّل أمس، الذي اعتبره كثيرون تراجعا كلّيا عن موقفه السابق من الحراك. وأضيف إلى هذا الخطاب، عودة بعض السياسيين ”المنبوذين” شعبيا إلى المشهد السياسي، على غرار الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس الذي خرج بتصريح غريب ذكر فيه أنه لم يستقل وأنه لا يزال على رأس الحزب، وكذا ظهور الوزير الأول السابق أحمد أويحيى بما أعطى الانطباع لدى الجزائريين بأنّ حركتهم الاحتجاجية أبعد من أن تكون قد أتت بالثمار المرجوة. ورغم الإجراءات المناهضة للحراك الشعبي فقد تضاعفت دعوات الجزائريين إلى الحفاظ على سلمية المظاهرات، حتى لو تعرّضوا إلى التعنيف أو القمع من طرف مصالح الأمن، كونهم يُدركون جيدا أنّ الدخول في صراع مع الشرطة أو غيرها من المؤسسات الأمنية لا يمكن إلاّ أن يُضرّ بالهدف السّامي للحِرَاك، وهو استعادة الشعب لسِيادته وتحكمه في مصيره بنفسه، لا بتفويض أي طرفٍ آخر.