ترى زوبيدة عسول رئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير، في حوار لموقع "الخبر" أن الانتخابات التشريعية تجري في وضع عام يتميز بالاحتقان على جميع المستويات، وهي في رأيها لن تكون حلا للأزمة. وتوضح عسول في هذا الحوار مع "الخبر"، موقفها الرافض لبعض الشعارات المرفوعة في المسيرات، التي تستهدف مؤسسات سيادية، وتؤكد أن الحراك لم يخرج أبدا لمواجهة الجيش أو قوات الأمن بل لإحداث قطيعة مع النظام القائم. ما رأيك في الأجواء العامة التي تجري فيها التشريعيات؟
الوضع يتميز بإحباط عام بسبب حالة الاستبداد التي تعرفها البلاد والاحتقان الاقتصادي والاجتماعي. الجزائريون بعد ثورة سلمية استمرت سنتين، كانوا يأملون للوصول إلى مرحلة التغيير التي تنقذ البلاد من الإفلاس المؤسساتي الشامل، لكن السلطة أرادت عكس ذلك. للأسف، بقدر ما كانت هذه الثورة الشعبية، تتميز بالحكمة والرصانة وتفادي المواجهة، بقدر ما كانت ردة السلطة عنيفة، عبر الاعتقالات ومنع المسيرات والاستعمال المفرط والتعريفي للحبس الاحتياطي، وتطور الأمر في الأسابيع الأخيرة إلى متابعات قضائية غير معهودة، طالت جميع فئات المجتمع ونخبه وامتدت إلى قياديين في أحزاب، بل إن هناك اليوم هرسلة قضائية وإدارية ضج أحزاب وجمعيات مثلما يحدث مع حزبي الاتحاد من أجل التغيير والرقي والعمال الاشتراكي، فضلا عن التهديد بحل جمعية راج أيضا. أما من الناحية الاقتصادية، فالجزائر لا تزال مرتبطة بشكل مزمن بأسعار النفط، وأزمتها تفاقمت بفعل كارثة كورونا، ما أدى إلى إحالة 500 ألف عامل إلى مليون حسب بعض التقديرات إلى البطالة ناهيك عن انخفاض القدرة الشرائية وتدهور قيمة الدينار بفعل سياسات الحكومة، وتحول الأمر أزمة اجتماعية خانقة من مظاهرها الإضرابات المتكررة والاحتجاجات التي طالت أسلاك مختلفة بينها حتى الحماية المدنية. ونحن نتساءل بعد كل ذلك إن كانت هذه الأجواء تساعد على إجراء انتخابات؟
كيف تقرئين القرارات الأخيرة المتعلقة بمنع المسيرات وارتفاع عدد الاعتقالات.. هل هدفها تسيير مرحلة التشريعيات كما حدث مع الرئاسيات وفق بعض القراءات، أم لها غايات أخرى في رأيك؟
في اعتقادي، يوجد هدف مباشر من القمع الحاصل يتعلق بتمرير التشريعيات. فالأكيد أن السلطة تصلها تقارير عن عزوف المواطنين عن الإقبال على هذه الانتخابات ورفضها من قبل الحراك الشعبي، وهي لا تقبل أي تشويش على مسارها الانتخابي. أما الهدف الآخر في رأيي، هو وقف المسيرات، لأن بوقفها في اعتقاد السلطة ينتهي الحراك الشعبي الذي لم يعد مرغوبا فيه الآن، فالحراك في نظرها هو ذلك الذي أوقف العهدة الخامسة وفقط. لكن ما دام سؤالكم أشار إلى الرئاسيات، أعتقد أن القمع الحاصل اليوم ازداد مقارنة بتلك الفترة وأصبح أكثر عنفا، فالعاصمة اليوم في حالة حصار يوم الجمعة وهناك تقديرات تشير إلى تجنيد 32 ألف شرطي لهذا الغرض. السلطة اليوم تُسيّر الأوضاع أمنيا، ولا تمارس السياسة، والبلاد تقريبا تُسيّر ببيانات.
لكن هناك من يقول أن المسيرات الحالية تختلف عن السابقة، من حيث أنها أصبحت تردد شعارات تستهدف مؤسسات الدولة مثل شعار "مخابرات إرهابية" وغير ذلك.. ما جعل السلطة تتصرف بهذه الطريقة.. ما رأيك في ذلك؟
يجب أن نعترف أن الحراك الشعبي يضم كل التوجهات وهو صورة مصغرة عن المجتمع الجزائري المتعدد في آرائه السياسية والأيديولوجية. أنا كنت من السياسيين المنخرطين في الحراك، الذين تحملوا مسؤوليتهم في البداية، ورفضوا شعارات مثل "المخابرات إرهابية" واعتبروه اختراقا، وهذا أمر وارد في مسيرات شعبية على فكرة. الحراك في أصله، لم يخرج لمواجهة الجيش والمخابرات بل لإحداث قطيعة مع النظام القائم، وإن كانت ثمة بعض التصرفات غير المقبولة من أفراد يجب إدانتها والمطالبة بمحاسبة مرتكبيها دون التعميم على كامل المؤسسة. أنا قلت أن مثل هذه الشعارات، لا تلزمني، وهي تمثل تلاعبا بمطالب الحراك الحقيقية المطالبة بدولة القانون والحقوق والحريات، لكني مؤمنة في الوقت ذاته أن مرددي هذه الشعارات هم قلة واستثناء ولا يمكن تعميمهم على كل الحراك، ولا يمكن أبدا استغلال ذلك لقمع المسيرات. السلطة لو كانت لديها نوايا حسنة من البداية لتحققت مطالب الحراك، ولكانت المسيرات قد انتهت منذ وقت طويل، لأن الغاية أبدا لم تكن البقاء في الشارع بل التعبير من خلاله على الرغبة في التغيير.
في خضم الأوضاع الحالية من النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية التي تصفينها بالمتأزمة.. لماذا لا تكون الانتخابات فرصة لدخول البرلمان والاستمرار في النضال؟
حتى نذهب للانتخابات التشريعية، يجب أن يتوفر مناخ مناسب لذلك والحد الأدنى من الضمانات لنزاهتها. تكلمت في السابق عن المناخ العام وهو لا يساعد أبدا على الانتخاب، أما الضمانات، فأستطيع منح الأدلة على أنها غير موجودة بما يجعل أي إنسان صادق لا يشارك فيها. هذه الانتخابات ستجري بقانون لم تتم مناقشته مع الفاعلين في الساحة السياسية، كما أن رئيس السلطة الوطنية للانتخابات، هو نفسه وزير العدل في عهد الرئيس بوتفليقة ومستشاره، وقد وضع على رأس هذه السلطة بشكل غير دستوري خلال فترة رئيس الدولة عبد القادر بن صالح، واحتفظ به إلى اليوم. ثم هل يمكن لسلطة من 20 عضوا، أفرادها معينون، أن تشرف على انتخابات في بلد به 62 ألف مكتب انتخاب؟. الواقع أن الإدارة، مازلت هي التي تسير من خلف الستار العملية الانتخابية، لأنها تشرف على القائمة الانتخابية وتمد مكاتب التصويت بالموظفين، كما أن إقحام القضاء في العملية الانتخابية، هو بمثابة توريط لجهاز ينبغي أن يكون حكما لا مشرفا على العملية. لنأْتِ إلى الدستور الآن، هناك بدعة لا توجد في العالم تم تكريسها، عبر فكرة الأغلبية الرئاسية والبرلمانية، ونحن نعتقد أن الرهان من وراء ذلك إيجاد أغلبية يحكم بها الرئيس بشكل مريح لأنه ترشح دون أي أحزاب تسانده كما فعل الرئيس السابق. وهذا ما اتضح مع وضع مستشار مكلف بالمجتمع المدني، تبين لاحقا أن الجمعيات التي أشرف على إنشائها هي من يخوض غمار الانتخابات. من جانب آخر، نحن نعتقد أن هذه الانتخابات، عكس الخطاب الدارج، ستؤسس للزبائنية، من خلال قرار منح 30 مليون سنتيم لكل شاب يترشح، دون مراعاة لاعتبارات المساواة أمام القانون للمترشحين، وتبعات ذلك السياسية والاجتماعية في وقت لا يجد المواطنون اللقاح للوقاية من كورونا وتكتظ المدارس ويئن المواطن تحت وطأة الغلاء. كل هذا في اعتقادنا، أدى إلى المشهد الذي نراه اليوم في الحملة الانتخابية، فكل القاعات فارغة ومستوى الخطاب متدني للأسف.
لكن بالحديث عن الضمانات، لم تكن موجودة أيضا في وقت بوتفليقة ومع ذلك الأحزاب التي تقاطع اليوم كانت تشارك.. أليس ذلك تناقضا في الموقف؟
أود التذكير أن حزبنا لم يشارك في أي انتخابات في عهد بوتفليقة. لكن في رأيي المقارنة لا تصح إطلاقا. عندما جاء بوتفليقة للحكم انخدع كثيرون بوجود تغيير ثم تيقنوا أنه يريد البقاء في الحكم، واستيقظ الجميع حتى من كانوا في السلطة على حجم الدمار الذي خلفته تلك الفترة. الشعب بعد ذلك تحمل المسؤولية وأسقط العهد الخامسة وخرج بالملايين للشارع للمطالبة برحيل هذا النظام الفاسد. المعطيات من تلك اللحظة تغيرت، ولا يمكن لمن يمارس السياسة ألا يفهم طبيعة الظرف ولا يتخندق مع الشعب في هذه المعركة. هل يعقل اليوم، أن الذين كانت لهم مسؤولية سياسية وأخلاقية في الانهيارات الكبرى التي عرفتها البلاد، يمكنهم أن يحققوا التغيير اليوم؟ مع كل ذلك، نحن نعتقد أنه يوجد في مؤسسات الدولة وطنيون ونزهاء لكن القرار ليس بيدهم وليسوا قادرين على التغيير.
ألا تتحملون كمعارضة جزءا من المسؤولية برفض الحوار مع الرئيس تبون في بداية عهدته ووضع شروط رآها الطرف الآخر تمس بكبريائه كسلطة؟
نحن لم نمس بكبرياء أحد. بالعكس كنا دائما ندعو للحوار، وبالتحديد منذ مارس 2019، وقت رئيس الأركان السابق قايد صالح، وعقدنا في ذلك ندوات وعرضنا خارطة طريق لحل الأزمة. الرئيس الحالي، لم يوجه دعوة للحوار، بل عقد لقاءات انفرادية وهذا في رأيي لم يكن حوارا. ما كان يضيره، لو أنه وجه خطابا للأمة من موقعه كرئيس الدولة، ودعا الطبقة السياسية ونشطاء الحراك لتنظيم ندوة وطنية للحوار. أما الشروط التي طرحناها لم تكن أبدا تعجيزية بل لتهدئة الأوضاع وإرساء قاعدة صلبة للحوار، مثل إطلاق سراح معتقلي الرأي ووقف المتابعات وفتح الإعلام أمام الجميع.
هناك انطباع بأن المعارضة التي تنتمين إليها سايرت في فترة راديكالية الشارع الرافض لأي مسعى حوار مع السلطة بعد الرئاسيات الأخيرة.. ما قولك في ذلك؟
أنا لم أكن في حياتي راديكالية، لأن الراديكالية مسألة سهلة تعني رفض كل شيء. بالعكس، كنت من الذين يقولون دائما حتى في زمن رئيس الأركان السابق قايد صالح أنه توجد حلول، وكتبت أنه يمكن الحوار مع الجيش أو أي ممثل يختاره، لأنه لم تكن لنا أبدا مشكلة مع مؤسسة الجيش لأنها تمثل مناعة للبلاد، بل مع بعض قياداته التي تريد السيطرة على العمل السياسي. لكن ما واجهناه حينها هو الرفض الآلي لكل ما نطرحه. ومع ذلك لم نتوقف يوما عن اقتراح الحلول، في حزبنا على الأقل، وهي موجودة ومعلنة لمن يريد أن يتفاعل معها أو يناقشنا فيها.