* email * facebook * twitter * linkedin يصل وزيرا الخارجية والدفاع الروسيين، سيرغي لافروف وسيرغي شويغو، اليوم، إلى العاصمة التركية أنقره في زيارة مفاجئة لبحث مختلف القضايا الثنائية مع نظرائهما التركيين، جاويش أوغلو وخلوصي آكار. وتكتسي هذه الزيارة أهمية خاصة ليس فقط من جانب العلاقات الثنائية القوية بين البلدين بالنظر إلى حجم المصالح القائمة بينهما ولكن أيضا من حيث حسابات الظرف الإقليمي والجهوي والتي تحمل في طياتها أبعادا، جيو استراتيجية بالغة الأهمية في منطقتي الشرق الأوسط والمتوسط. وهي المقاربة التي تجعل ملف الأزمة الليبية من بين اهم الملفات التي سيتم طرحها على طاولة المفاوضات بين مسؤولي البلدين والتي ستطغى عليها الجوانب السياسية والدبلوماسية وأخرى عسكرية بحكم منصبي المسؤولين الروس اللذين قدما إلى أنقرة. وإذا سلمنا بمثل هذا الطرح فإن آخر التطورات التي عرفها الملف الليبي بعد الانتكاسة الميدانية المتلاحقة لقوات اللواء الليبي المتقاعد، خليفة حفتر ستطغى على محادثات الجانبين في اتجاه قد يمهد لإمكانية التوصل إلى أرضية مشتركة للتوصل إلى وقف لإطلاق النار بين الجانبين المتحاربين في ليبيا. وهو أمر وارد جدا وقد فرض نفسه بحكم أن الجانب التركي يقف داعما لحكومة الوفاق الوطني في طرابلس بينما تقف روسيا إلى جانب، اللواء، خليفة حفتر ضمن حرب بالوكالة حالت منذ سقوط النظام الليبي السابق، دون التوصل إلى إنهاء الحرب بين الإخوة الأعداء في ليبيا. ويكون إلقاء الإدارة الأمريكية نهاية الأسبوع بكل بثقلها الدبلوماسي بعد سنوات من التردد في معادلة التسوية هو الذي سرع بزيارة الوزيرين الروسيين إلى تركيا لترتيب أوراق ما بعد الحرب في ليبيا وبكيفية تحفظ لكل الأطراف مصالحهم وحصة كل واحد منهم في "الكعكة الليبية" التي حملت رائحة نفط قوية وتلطخت بدماء آلاف الأبرياء وجعلت مأساة شعب هذا البلد تتواصل على مدار عقد كامل من الزمن دون أدنى بريق أمل لتسويتها. ويمكن القول في سياق الحلحلة التي يعرفها الملف الليبي، أن موسكو رأت من مصلحتها ضرورة تكييف طريقة تعاملها مع الموقف العام في ليبيا بعد التراجع الميداني المستمر لقوات خليفة حفتر الذي راهنت عليها كورقة رابحة تضمن لها مصالحها في ليبيا التي أضاعتها سنة 2010 عندما قبلت بتدخل الحلف الأطلسي والإطاحة بنظام العقيد معمر القذافي الذي كان يضمن لها مصالحها في المياه الدافئة المتوسطية وسمح لها ذلك بمراقبة كل شيء على مقربة من القارة العجوز وليس بعيدا عن مسار تحركات الأسطول السادس الأمريكي. وعكست لعبة التوازنات التي عرفها المشهد الليبي والتحالفات التي أفرزتها، حقيقة الصراع المصلحي بين القوى الكبرى التي تدرك قيمة المكاسب الاستراتيجية التي توفرها ليبيا لها ضمن حسابات الربح والخسارة الأمر الذي جعلها تحرص على عدم تضييعها لصالح قوة أخرى منافسة. ويتأكد في ظل آخر التحركات الدبلوماسية أن الجميع، قوى عالمية أو إقليمية ادركت أن أقصاء الآخر بشكل كلي في لعبة المصالح في ليبيا أصبح مستحيلا بدليل فشل كل الخطط العسكرية لهذه الجهة أو تلك في حسم الموقف لصالحها مما جعلها تقتنع أخيرا أن المحافظة على مصالحها ومقاسمة الآخرين فيها يمر حتما عبر وقف لإطلاق النار وإجلاس فرقاء الحرب إلى طاولة مفاوضات مباشرة لوضع أسس دولة ليبيا الجديدة تراعي فيها مصالح كل أطرافها. وفي حال وصلت الأمور إلى تكريس هذا الاقتناع والعمل على تجسيده فإن الجميع سيقتنع أنهم أهدروا عشر سنوات في صراع مسلح دفع الشعب الليبي 200 الف من أبنائه ضحايا حسابات قوى أجنبية حركتها مصالح أنانية ولم يجن منها سواء عداء وكراهية لن تمحيها السنوات.