كشف الدكتور بشير بديار عن أن تراثنا الوطني يتعرض للنهب، مستشهدا بتاريخ بني هلال في منطقته الأغواط، حيث يرقد كبار هذه القبيلة الكبيرة ذات الصيت الواسع، أغلبهم مدفون على أرض الأغواط، منهم "الجازية" و"ذياب" والزناتي" وغيرهم، ولا يزال أحفادهم بالمنطقة إلى اليوم، داعيا بالمناسبة وزارة الثقافة والفنون، إلى اتخاذ الإجراءات المناسبة والتكفل بهذا التاريخ الذي لا يزال مهملا. أضاف الدكتور بديار، بمناسبة احتفالية مئوية وفاة (150 سنة على ميلاده) الشاعر المعروف عبد الله بن كريو، التي نظمها مكتب "بيت الشعر" بالعاصمة، أول أمس، في المكتبة الوطنية، أنه كغيره من أبناء هذه المنطقة، سمع أشعار بن كريو وهو طفل، خاصة في الأعراس حين تغنى، ثم توطد هذا التعلق في فترة الشباب، حينما زار الباحث الكبير أحمد لمين الأغواط، ليبحث في تراث هذا الشاعر، فتعاون معه خاصة في جمع القصائد. الدكتور بشير بديار مختص في الشعر الشعبي الصحراوي الجزائري، له كتاب يعتبر المرجع الأول عن الشاعر بن كريو، حيث حقق فيه قصائده وكتب قصة حياته معتمدا على الوثائق التاريخية والشهادات، تحدث طويلا عن هذا الشاعر الذي يعرفه حق المعرفة، والذي لم ينل حظه من الدراسة والظهور، وبقي يسمى شاعر الصحراء الأول، في حين كان الأجدر أن يلقب بشاعر الجزائر كلها، وأشعاره غنتها عدة أصوات منذ مطلع القرن ال20، كالشيخة يامنة سنة 1928، والسنوسي سنة 1908، والمطربة حايا الأغواطية، لتتوالى الأصوات مع خليفي أحمد ودرياسة والشيخ حمادة والعنقى وفضيلة الدزيرية وبوليفة وغيرهم، وكانت أشعاره تردد في كل مناطق الوطن. بن كريو كان أيضا شاعرا ثائرا ضد الاستعمار، ولد بعد عقدين من إبادة سكان الأغواط، كما كان عالما في الفقه والرياضيات واللغة والكيمياء، وعلم الفلك الذي استغله في الشعر الذي كتبه لحبيبته فاطنة الزعنونية بنت الباشاغا بن سالم، كما استحضر المتحدث شخصيات في حياة الشاعر، منها صديقاه الجودي مبروك وبلقاسم لهول البجاوي، الذي خصه بقصيدة رائعة، ثم الأسقف "لو بيي" وكذا "الشانبيط" احميدة بن بعيليش السوفي، كما استغل المتدخل الحديث للدعوة من أجل حماية تراث المنطقة المتشابك مع مناطق أخرى من الوطن، سواء في الشرق أو الغرب أو العاصمة أو منطقة القبائل، متوقفا أيضا عند تراث بني هلال الذي ينسب للشقيقة تونس، في حين أن زعماءه يرقدون في الأغواط، فمثلا الجازية مدفونة بأولاد ماضي، وكذلك دياب وأبو زيد الهلالي، ولا تزال قصتهم تتردد في كل العالم الإسلامي. بدوره، تحدث مدير المكتتبة الوطنية، الدكتور منير بهادي، عن الحواجز المعرفية الثقيلة التي دفعت إلى عدم تذوق الشعر الشعبي، الذي كان صوت الشعب وأداة للمقاومة والتعبير عن الوجود ولإنتاج القيم والمعاني. أما البروفيسور عبد الحميد بورايو، فتوقف عند أهمية المصطلحات، مؤكدا أن الشعر الشعبي مجهول شعراؤه، بينما الشعر الملحون يضم فطاحلة شعرائنا من النخبة، فبن كريو مثلا، كان قاضيا وعالما، ثم أسهب المتحدث في عرض خصوصيات الشعر الملحون وأهم مدارسه (تلمسان والهضاب العليا)، كما ذكر أبرز من جمع هذا التراث، وأولهم محمد الغوثي بخوشة الذي نشر ما جمع، ثم ضيقت عليه فرنسا، ثم جاء أحمد طاهر المناضل مع فرحات عباس وترجم بن قنون في رسالة دكتوراه بجامعة السربون (البحور والإيقاعات في الملحون)، توالت بعدها الدراسات مع بلحلفاوي وصهيب الدين وبوعلام بسايح، وصولا إلى أحمد لمين، علما أن الدراسات باللغة العربية كانت متأخرة، ولم تظهر حتى السبعينيات، وبعدها فُتحت شعب للشعر الشعبي بجامعة الجزائر، كما كان هذا الشعر حاضرا في وسائل الإعلام وفي المهرجانات الشعر، رغم الفتور الذي حصل مؤخرا. تحدثت آمال مهدي عن روايتها "الجميلة والشاعر"، التي سجلت فيها حياة بن كريو، بعدما طاله النسيان والتهميش، وقالت إن الشاعر وحبيبته الزعنونية كانا من علة القوم، عرفا بعضهما في فترة الطفولة، حينما كان بن كريو يرافق فاطنة الزعنونية وأختها شريفة إلى حي الكتاتيب، قبل أن يتم توقيفها لتمكث بالبيت، وعند فترة الشباب، لمحها فعشقها وأصبح مجنونا بحبها، وقال فيها القصائد الطويلة التي رددت في الأسواق والنوادي والمناسبات (دون ذكر اسمها)، وعندما أحس والدها الباشاغا، نفى بن كريو إلى المنيعة، وزوج ابنته بعين ماضي، وبعد 3 سنوات، صدر العفو، لكن الشاعر فضل العيش في غرداية، هروبا من الألم، حينها طلقت فاطنة، لكن أبوها أصر على تزويجها من رجل قاس فض، فلم تتحمل العيش معه وماتت سنة 1913، لينهار حبيبها ويصاب بالسكري والعمى إلى أن مات سنة 1921. دعت المتدخلة إلى ترميم داري بن كريو وفاطنة، وتحويلهما إلى متحف، مضيفة أن بن كريو كان يلقب ب"لامارتين" الجزائر، ورغم ذلك ليس هناك طابع بريدي يخلده. من جهته، تناول الكاتب لزهاري لبتر تجربته في ترجمة أشعار عبد الله بن كريو، والتي كانت حسب المختصين الأحسن والأدق، خاصة في ما تعلق بالصور التشبيهية الخاصة بالنجوم والكواكب، متوقفا عند تراث هذا الشاعر الذي تربت على أشعاره الأجيال. كما تناول أحمد عبد الكريم حياة الشاعر وآثاره في عمل روائي، سيصدر قريبا، وقد وصفه بالشاعر الثائر والعالم، استطاع أن يعطي للأغواط حياة أخرى، بعد أن أبيد ثلاثة أرباع سكانها، وقال المتحدث، إنه استغل شخصيات كانت في حياة الشاعر، وكذلك بعض الأمكنة، منها مقهى الجريدي للإنشاد ورحبة الزيتون وزقاق الحجاج ونادي القمرة وغيرها. شهدت الاحتفالية قراءات شعرية للراحل بن كريو، أداها الراوي الحبيب منصر بلباسه الأغواطي الأصيل، فيما تواصلت الاحتفالية بعدها بقراءات شعرية وأغان تراثية وغيرها، بقصر "رياس البحر".