في الوقت الذي يجمع فيه المختصون في المجال الطبي، على أن الرياضة تلعب دورا مهما ومؤثراً في حماية الفرد من الكثير من الأمراض المزمنة والقاتلة، من شاكلة الضغط والسكري والسمنة والجلطات، نجد بعض المفاهيم والأعراف الاجتماعية الخاطئة، تعيق ممارسة الأنشطة الرياضة، تحديدا وسط النساء، في الوقت الذي يشير بعض المختصين إلى انعدام ثقافة الرياضة بمجتمعنا، ليس فقط لدى النساء، وإنما لدى جميع فئات المجتمع. واستطلعت ”المساء” آراء عدد من النساء والفتيات تحديدا حول مكانة الرياضة في حياتهن اليومية، فكان أن قالت نورة وهي موظفة، أن الرياضة بشتى أنواعها مفيدة للبدن من جميع النواحي، صحية كانت أم اجتماعية، ولا ترى أي سبب لرفضها، ولكنها تشير بالمقابل إلى انعدام الوقت والتعب اللذين تضعهما المتحدثة العائق رقم واحد أمام ممارسة الأنشطة الرياضية.
التعب وقلة الوقت وترى حورية وهي ممرضة بمؤسسة للصحة الجوارية، أن الأمراض التي تصيب أغلب النساء تعود في كثير من الأحيان إلى قلة الحركة وعدم ممارسة المرأة للرياضة، معتبرة أن الرياضة من أهم الطرق التي تساهم في الحفاظ على الصحة البدنية والنفسية والعقلية، كما أنها تساهم في عدم التعرض للشيخوخة المبكرة، ولكنها تنفي أمر ممارستها الرياضة بحجة انعدام القاعات، تقول ”إن ممارسة الرياضة بالنسبة للمرأة صعب بعض الشيء، لأن أماكن ممارستها بعيدة وغير متاحة لكل النساء مثل القاعات، التي أجد الاشتراك فيها باهظا نوعا ما، فهو يفوق الثمانية آلاف أحيانا، لذلك أكتفي بالمجهود المبذول في البيت والعمل، وألجأ إلى المشي في بعض الأحيان، وأعتقد أن التي تمارس الرياضة لا تعاني أية ضغوط اجتماعية”. أما كوثر وهي طالبة جامعية، فترى أنه بالإضافة إلى انعدام وجود أماكن لممارسة أي نوع من أنواع الرياضة، فإن المشي يبقى الرياضة الوحيدة المناسبة والمتبقية لدى غالبية النساء. وتشير آمال وهي موظفة، أن من أهم الأسباب التي تؤدي إلى انصراف عدد كبير من النساء عن مزاولة الرياضة، عدم التوعية وعدم التشجيع وغياب ثقافة الرياضة عموما. مضيفة أن المجتمع الجزائري عرف تطورات كثيرة، رغم ذلك نجد قلة الوعي بأهمية الرياضة، وعدم وجود أماكن لممارستها تحافظ على خصوصية المرأة، ضف إلى ذلك انعدام الوقت بسبب الدوام الوظيفي وكثرة المشاغل. ومما لا شك فيه، أن ممارسة الرياضة مطلب ضروري للرجال والنساء على حد سواء، لما لها من أهمية كبيرة على صحة الإنسان، وبالذات في هذا الوقت الذي انعدمت فيه الحركة بسبب الاعتماد على السيارة لأدنى التنقلات، زيادة على نظام الأكل غير السليم، مما ساهم في زيادة أمراض القلب والسكري وضغط الدم. يقول البروفيسور سليم بن خدة رئيس مصلحة أمراض القلب بمستشفى مصطفى باشا في حديث له مع ”المساء”، أن تغيير نمط المعيشة واتباع النمط الغربي المعتمد على الخمول وقلة الحركة، ناهيك عن الأكل السريع المشبع بالدهون، وراء الإصابة بأمراض السمنة والسكري وارتفاع الضغط، وهنا يلفت المتحدث، إلى أن دراسة أعدتها الجمعية الجزائرية لارتفاع الضغط الشرياني، أظهرت أن 14 % من المراهقين في الجزائر مصابون بالبدانة، وهذا لأسباب ترجع بالدرجة الأولى إلى نظام الأكل غير الصحي والاستهلاك المفرط للأغذية المحلاّة والمالحة وانعدام ممارسة الأنشطة الرياضية. ويفند المختص الأقاويل بشأن قلة مراكز أو قاعات الرياضة، ويرى أن ممارسة الرياضة بأشكالها المختلفة أصبحت ضرورة للجميع، وأن مفهوم الرياضة أشمل وأوسع من ممارسة بعض الألعاب كممارسة كرة القدم مثلاً، ولكننا نتحدث عن الرياضة بمفهومها الشامل، وهي ثقافة يحتاجها كل فرد رجلا كان أو امرأة. مضيفا أنه يجب نشر هذه الثقافة على كل المستويات ” لقد تغيرت الكثير من المفاهيم عند البعض وانفتح المجتمع أكثر من ذي قبل، وأعتقد أنه لا بد للأسر أن تعي أهمية الرياضة، خاصة في ظل تزايد الأمراض المرتبطة بقلة الحركة والنمط الغذائي الخاطئ، لذلك لا بد أن يكون الآباء واعين بما يتناسب مع خصائص تكوين أطفالهم صحيا ونفسيا، ويشجعون أطفالهم على ممارسة الرياضة وعدم تجاوزها، كونها عامل حماية لهم من الكثير من الأمراض”.
تحفظ من ممارسة الفتيات للرياضة! من جهته، يرجع مدرب كرة اليد للفئات الصغرى إناث لبلدية عين الدفلى في حديثه ل«المساء”، على هامش يوم علمي دراسي حول قلة الحركة وعلاقتها بأمراض العصر، سبب قلة اهتمام المرأة تحديدا بممارسة الرياضة، إلى ”انعدام ثقافة الرياضة عموما بالمجتمع الجزائري، فإذا تعمقنا في الأسباب نجد أن الآباء لا يشجعون أولادهم على ممارسة الرياضة، وإذا تجاوزنا هذا العامل، فإننا نصطدم بواقع مشابه في المؤسسات التربوية التي تفتقد في معظمها إلى فضاءات لممارسة النشاطات الرياضية، بالرغم من وجود مادة الرياضة ضمن الجدول الزمني للمواد، هذا ناهيك عن أن أساتذة مادة الرياضة غير مؤهلين ”لتدريس” هذه المادة، لأنهم غير مكونين، أحيانا تُعمد هذه المادة للشباب في إطار ”عقود ما قبل التشغيل”. مشيرا إلى سبب آخر في انعدام الرقي بثقافة الرياضة بالمجتمع، يعود إلى نقص المرافق والهياكل المخصصة لذلك، ”فإذا قارنا مثلا عدد السكان بعدد المرافق الترفيهية بما فيها الهياكل الرياضية، نجد هذه الأخيرة قليلة جدا ولا تلبي الطلب، لذلك لا يمكنني كمختص الحديث عن الرياضة، وإنما شبه رياضة إن أمكنني قول ذلك، فأنا مثلا أقوم على تنشيط رياضي وليس رياضة بمعنى الكلمة، فبالنظر إلى الحجم الساعي للدراسة الذي لا يترك فراغا كبيرا للتلاميذ للتفرغ للنشاط الرياضي، ضف إلى ذلك انعدام وسائل النقل للكثير من الأندية، تصعب عملية جمع الرياضيين بعد الخامسة مساء، زيادة على نظرة المجتمع التي تعيق الفتيات تحديدا عن الالتحاق بالأندية في ذات التوقيت، أو حتى منع الآباء بناتهن من ممارسة الرياضة خارج أسوار المؤسسة التربوية بعد سن معينة، كلها عوامل تساهم في الحد من الإقبال على الرياضة”، يقول المتحدث. في حين يشير السيد زين العابدين مومن عبد القادر عضو الاتحادية الجزائرية للرياضة الميكانيكية ومدير تقني في الرياضة الجامعية سابقا، بقوله ”ما لاحظناه في السنوات الأخيرة بمجتمعنا هو قلة الاهتمام بالرياضة عموما وليس لدى النساء فحسب، ومن ذلك عدم الاهتمام برياضة المشي عند كافة فئات مجتمعنا، رغم أن هذا النوع من الرياضة غير مكلف، ولكن بعض الأفراد ينظرون إلى الرياضة نظرة خاطئة، إذ يعتبرونها مضيعة للوقت ويعتقدون أن الرياضة للأطفال وليست للكبار بحكم كثرة المشاغل، الأمر الذي يؤثر تأثيرا بالغا ليس على الكبار وحدهم، ولكن على أبنائهم أيضا ممن ينشأون غير مبالين بأهمية الحركة والرياضة عموما في حياتهم”. ويضيف ”لا بد من القيام بحملات تحسيسية لتشجيع ممارسة الرياضة. ويضرب مثلا بانعدام الاهتمام بالرياضة لدى طلبة الجامعة، حيث يؤكد أن الملاحظات تفيد أن وسط مليون وأربعمائة طالب جامعي تهتم نسبة 1% فقط من الطلبة بممارسة الرياضة ”وهذا قليل جدا، ما يؤكد أن الرياضة يهتم بها فقط ممارسو النخبة”، يقول المتحدث، داعيا المجتمع المدني إلى العمل المكثف من أجل ترسيخ ثقافة الرياضة أكثر خاصة لدى الناشئة، كون الرياضة عامل وقاية من الآفات الاجتماعية.