الخطاب الرسمي لا يزال مبنيا على إثارة العواطف، ومن يستمع إلى الوزير الأول أو الوزراء يخيل إليه بأن المشاكل الاقتصادية التي تعيشها البلاد سببها قلة تجند الجزائريين، وأن الحل هو في أن يجدد الشعب إيمانه في قدراته، والإمكانات التي تتوفر عليها البلاد. تبدو مصطلحات من قبل التجند والتعبئة، وكأنها رجع صدى لعهد مضى، وليس من السهل أن يفهم فلاح في عين الدفلى ما الذي يقصده الوزير الأول بقوله إن القطاع »المدعو للعب دور هام في تنويع الاقتصاد الوطني خلال السنوات المقبلة«، كما أن المعنيين لا يعرفون كيف يمكن لرسالة تحث على بذل مزيد من الجهود للنهوض بالفلاحة (...) وعصرنة القطاع وتطوير الصناعات الفلاحية للتمكن من تلبية إحتياجات البلاد ومن ثم التصدير«، يمكن أن توجه إليهم، ولا كيف سيستجيبون لها. تنويع الاقتصاد، وإعطاء الأولوية للفلاحة، من مهام الحكومة، وهذا لا يتم من خلال خطابات سياسية، بل من خلال برامج مدروسة، ومشكلة الفلاحة في الجزائر لها أبعاد كثيرة لا يحيط بها حتى العاملون في القطاع، لكن المؤكد أن أي نشاط اقتصادي يقوم على الجدوى، ومن يستثمر أمواله وجهده في قطاع ما إنما يفعل ذلك بغرض تحصيل المنافع، وليس لأن الوزير الأول يريد ذلك، أو لأن الفلاحة نشاط مبارك، أو لأن الإنسان له علاقة روحية مع الأرض، فكل هذه القراءات المستغرقة في العواطف لا يمكن التعويل عليها لإحداث التحول المطلوب على المستوى الاقتصادي. يهجر الناس الفلاحة عندما تصبح مخاطر الاستثمار فيها عالية، وحين تفرض فوضى السوق، وعمليات المضاربة، والاحتكار، واقعا جديدا يكون فيه الفلاح هو الحلقة الأضعف والخاسر الأكبر، وليس من المعقول أن يطلب من شخص أن يستمر في استثمار أمواله في قطاع لم يعد يضمن له الربح. عبقرية الحكومات تكمن في قراءة الواقع الاقتصادي بشكل صحيح، ومن ثم ابتكار الحلول والبدائل التي تؤدي إلى تشجيع قطاع على حساب قطاعات أخرى لأنه كفيل بتحقيق النمو الاقتصادي، أو توفير مداخيل من العملة الصعبة لتمويل الاقتصاد، وهذه العبقرية نجدها في البرامج التي لا يمكن تعويضها بخطاب يقوم التجند والتعبئة.