ظلت الحدائق والغابات في الجزائر العاصمة وباقي الولايات، لسنوات، مناطق محرّمة على الجزائريين في عشرية الموت والدم، لكن بعد أن استتب الأمن وتراجعت سطوة الجماعات الإرهابية، احتلّتها العصابات وفرض المجرمون قانونهم على زوارها، موقّعين عدة حوادث قتل واغتصاب وسرقة، مستغلين غياب التغطية الأمنية، ليفكر المواطن ألف مرة قبل أن يقرر زيارة هذه الفضاءات، في انتظار التفاتة جدية من الجهات الوصية لإنهاء مسلسل الإهمال واللامبالاة.. والأهم غياب الأمن. تيبازة.. غابة بنوة بفوكة وغابة السعيدية ببوهارون وشلالات عين تاڤورايت، كلها مناطق جميلة حوّلتها العصابات إلى مسرح مفضل لاصطياد الفتيات والاعتداء عليهن باستعمال الأسلحة البيضاء، ومرتع للسطو على ممتلكات الزائرين وتجريدهم من أموالهم وهواتفهم النقالة. الغابة المحاذية لمركّب القرية ”سات” بتيبازة، كانت مسرحا لعمليات إجرامية سنة 2011، نفذتها عصابة تُلقب نفسها ب”الياريس” ويقودها شقيقان يعتديان على العائلات التي تفضل التوغل إلى عمق الغابة، ويتربصون بها ومن ثم مهاجمتها بالعصي الكهربائية لسلب ممتلكاتها في صمت، غير أنها سقطت في قبضة الدرك الوطني بعدما نفّذت سلسلة من الاعتداءات. وتنشط بنفس المنطقة عصابة تسمي نفسها ”موح”، توظف فتيات لاستدراج الزوار إلى أماكن معزولة لمحاصرتهم وضربهم ومن ثم تجريدهم من أموالهم وتركهم مكبلين، قبل أن تنتشلهم دوريات الدرك بعد ساعات من ذلك. ولإبعاد الشكوك حولها تتظاهر العصابات التي تتخذ من الحدائق مسرحا لها بأنها مجموعات جاءت لتناول وجبات الشواء، فتبث الطمأنينة في نفوس الزوار، قبل أن تترصد بالذين ينفردون في عمق الغابة أو الحديقة، ليجدوا أنفسهم بين مخالب وحوش مدججين بالأسلحة البيضاء همّهم الأموال والهواتف النقالة والاعتداء الجنسي على البنات. الأمر سيّان بحظيرة جبل الوحش في قسنطينة، إذ أصبحت منطقة مُحرّمة أعلنها المجرمون إقليما تحت سيطرتهم، حيث تم تسجيل شهر فيفري الماضي قضية اعتداء ثلاثة شبان على زوجين، لتتحول إلى جريمة قتل مات فيها شخص. كما نظرت محكمة قسنطينة في عدة قضايا اغتصاب وإجرام كانت غابة جبل الوحش مرتعا لها، وكان الضحايا أطفال قصر. وحاولت الجهات المسؤولة استرجاع المنطقة وحديقة التسلية المغلقة بتغيير المقاولة ووعدت بتوفير الأمن والتصدي للعصابات الإجرامية، إلا أنها لم تنجح في ذلك، بل تحول جبل الوحش إلى منطقة محرمة يستغلها بعض المنحرفين والعصابات الخطيرة. وبمدينة سيدي بلعباس، استغل المنحرفون الموقع الاستراتيجي لحديقة ”الغاردن” باعتبارها رئة المدينة وحولوها إلى ”خطر غير معين”، رغم الدوريات الأمنية الراجلة والسيارة. ومع سيطرة هذه العصابات على الحديقة وتردي الخدمات بها بالإضافة إلى فقدانها لرونقها المعهود، هجر الزوار هذا الفضاء كليا، خاصة أنه أصبح خطرا يحدق بحياتهم وممتلكاتهم. وإذا كانت الضحايا الثلاث قد جنين على أنفسهن عندما غامرن بشرفهن ووثقن في أشخاص خذلوهن باسم الحب عندما قصدوا مكانا أصبح مشبوها بامتياز، فما ذنب سيدة حامل رافقت زوجها من ولاية مستغانم للاستجمام في حديقة طالما سمعت عنها وتمنت زيارتها، قبل أن تقع في شراك أصحاب النفوس المريضة الذين استغلوا غياب التغطية الأمنية لينساقوا وراء غرائزهم. وكانت هذه السيدة قد قصدت الحديقة رفقة زوجها، غير أن الوقت داهمهما وهما غريبان عن المنطقة، فطلبا من صاحب أحد المطاعم بحديقة الوئام السماح لهما بالمبيت في المحل، فرحب دون أي تحفظ. وعندما أرخى الليل سدوله، طلب صاحب المطعم وشريكه من الزوج الذهاب للبحث عن فراش له ولزوجته، لكن تخوفه من ترك زوجته معهما أزاح القناع عن وجههما فهدداه باستعمال الأسلحة البيضاء بقتله إن لم يترك لهما زوجته، ولحسن الحظ تمكن الزوج من الإفلات من بين يديهما والاستنجاد بمصالح الأمن التي وجدت الزوجة محتجزة في قبو المطعم في حالة نفسية متدهورة. دافع عن زبونته ففقد حياته بباينام.. غابة باينام التي كانت مقصد العائلات العاصمية ومن باقي الولايات ليست بأحسن حال، وهي التي شهدت السنة الماضية جريمة قتل راح ضحيتها شاب في مقتبل العمر يشتغل سائق سيارة ”كلونديستان”، ذنبه فقط أنه حاول حماية إحدى زبوناته. الجريمة التي لايزال التحقيق فيها مستمرا بالغرفة الثانية بمحكمة باب الوادي، تعرض فيها الشاب لأكثر من عشر طعنات على يد ثلاثة شبان في العقد الثاني من العمر. وحسب ما احتوته محاضر سماع مرافقة الضحية، وهي فتاة في العقد الثاني من العمر، فإن الشاب الذي كان في طريقه لإيصالها إلى وجهتها توقف بالقرب من غابة باينام ليقتني شيئا، قبل أن يتفاجأ بعشرة أشخاص يخرجون من الغابة حاولوا سرقته والاعتداء عليها. ورغم صراخ الضحية لم يهبّ أحد لنجدته في ذلك المكان الخالي، خاصة أن التغطية الأمنية غائبة هناك. وذكرت الشابة أن الضحية كان يتعرض لطعنات قاتلة، غير أنه كان يصرخ بأعلى صوته موجها كلماته للشابة ”اهربي اهربي”، قبل أن يسلم الروح، ثم راح ثلاثتهم يبحثون عما يحمله الضحية من أموال، إلا أنهم لم يجدوا إلا 1000 دينار، ثم سلبوا حلي الضحية واعتدوا عليها بالضرب، كما وجهوا لها طعنات خنجر إلا أنها نجت من الموت المحقق. ولم يسلم أصحاب البذلة الزرقاء من اعتداءات المجرمين في هذه الفضاءات، ففي غابة باينام أيضا تعرض شرطي قصد المكان رفقة خطيبته للاعتداء من قبل شخصين ملثمين هاجماه وسلبا من خطيبته حليّها وهاتفها النقال ثم لاذا بالفرار، قبل أن يتم توقيفهما.