من على ارتفاع 175 متر على سطح الأرض، هددت مجموعة من الشباب والكهول بالانتحار الجماعي، ولم تتم إلا بعد تدخل مسؤولين وعدوا بحل المشكلة التي دفعتهم إلى ذلك· المكان هو جسر سيدي مسيد بقسنطينة الذي شهد بعد مرور قرن على تدشينه سنة 1992 واحدة من أغرب محاولات الانتحار، والأولى من نوعها بعد أن كان الانتحار فيه فرديا والكثير من المحاولات تقوم بها بعض العائلات مفردة· يقول بعض المسؤولين، إنه ابتزاز، ويرد آخرون بأن الأمر يتعلق بمأساة، بل هو إبداع في الاحتجاج بعد أن أصبحت الطرق القديمة من قبيل غلق الطرقات وإشعال إطار السيارات وحتى تكسير بعض المنشآت العمومية لا تفي بالغرض من كثرتها وأصبحت حتى لا تعنى بالتغطية الإعلامية، وقد تعددت إلى درجة أصبحت لا تثير أحدا· جسور قسنطينة السبعة الشهيرة، لم تعد للحلم فقط، وقد تناولتها الكثير من الأشعار والروايات بأسلوب حالم، لكنها كانت وما تزال أماكن لإنهاء حلم الحياة بكثير من القسوة، وبعض الضحايا يصطدم بالصخور المحيطة ويتمزق جسده قبل أن يسقط في الهاوية السحيقة· وفي زمن الثورات والاحتجاجات التي أدت إلى تغييرات جذرية في المنطقة، يدشن بعض القسنطينيين هذه الطريقة الاحتجاجية التي قيل إنها شلت الحركة بطريقة لم تحدث منذ قرن من الزمن، وهو عمر جسر سيدي مسيد (قنطرة الاحبال)، وإن استمر الوضع وتكررت حالة الاحتجاج هذه التي مرت بسلام، فقد تحاصر مداخل ومخارج الجسور المتعددة في قسنطينة حتى لا تأتي مجموعة ''انتحارية'' قد يضطرها الفشل في المفاوضات إلى وضع حد لحياة أفرادها، فهل المطلوب هو محاصرة الجسور منعا للانتحار، أم محاصرة المشكلات التي تؤدي إلى الانتحار، فما أسهل العمل الثاني وأصعب العمل الأول·