على هامش أشغال قمة منظمة التعاون الإسلامي ببانجول: العرباوي يلتقي بالرئيس السنغالي    امتحانا التعليم المتوسط والبكالوريا: تحديد تواريخ سحب الاستدعاءات    معرض المنتجات الجزائرية بنواكشوط: التوقيع على 7 مذكرات تفاهم بين متعاملين جزائريين وموريتانيين    في حملة وطنية أطلقت أمس للتوعية بمخاطرها: تحذير من الاستعمال السيّئ لوسائط التواصل الاجتماعي    الرئيس الصحراوي يؤكد مواصلة الكفاح لغاية نيل الحرية    إجراءات للوقاية من الحرائق بعنابة: تزويد محافظات الغابات في الشرق بطائرات "الدرون"    إعادة فتح جسر كيسير أمام حركة المرور    ما سيسمح بوصول التغطية إلى 100 بالمئة: مساع لربط 467 سكنا بالغاز في بوراوي بلهادف بجيجل    الرئيس تبون يدعو منظمة التعاون الإسلامي إلى تحمّل مسؤوليتها أمام التاريخ ويؤكد: البشرية فقدت في فلسطين المحتلة كل مظاهر الإنسانية    تواصل مساعيها الدبلوماسية لفضح الصهاينة و وقف العدوان على غزة    باتنة على موعد مع الطبعة الرابعة: مهرجان إيمدغاسن الدولي يحتفي بنجوم السينما الجزائرية    اليوم العالمي لحرية الصحافة: عميد جامع الجزائر يدعو للتصدي للتضليل الإعلامي الغربي    البطولة الإفريقية للسباحة: 3 ذهبيات وبرونزية حصاد الجزائر في اليوم الرابع من المنافسات    الرئيس تبون.. جهود كبيرة في تعزيز التعاون الاقتصادي الإفريقي    الجزائر الجديدة.. حركية كبيرة وتدابير تشجيعية    رئيس الجمهورية يهنئ نادي فتيات أقبو    المصادقة بالإجماع على التقريرين الأدبي والمالي    الصحافة الوطنية تلعب دورا كبيرا في المشهد الإعلامي    رؤساء الأندية يطالبون بتعديل متوازن    حقيقةX دقيقة: بعد سنوات الظل..    وسام مالي لمصطفى براف    تحضير المراسيم الجديدة الخاصة ب"عدل 3"    "طوفان طلابي" مؤيد لفلسطين يجتاح أرقى جامعات العالم    الإعلام والمساجد لمواجهة خطر الوسائط الاجتماعية        الجزائر في طريق تحقيق التكامل الإفريقي    وكيل أعمال محرز يؤكد بقاءه في الدوري السعودي    دعوة إلى توحيد الجهود لحماية الحقوق الأساسية    النزاع المسلح في السودان.. 6.7 مليون نازح    قلعة لإعداد الرجال وبناء الوطن    عزلة تنموية تحاصر سكان مشتة واد القصب بتبسة    26 مراقبا في دورة تكوينية    أول وفد لرياضيينا سيتنقل يوم 20 جويلية إلى باريس    المعالم الأثرية محور اهتمام المنتخبين    اقترح عليه زيارة فجائية: برلماني يعري فضائح الصحة بقسنطينة أمام وزير القطاع    حجز سيارات، مهلوسات ومحركات مستعملة    توقيف 15 شخصا أضرموا حريقا عمدا بحي رأس العين    البروفيسور الزين يتوقف عند "التأويلية القانونية"    الالتقاء بأرباب الخزائن ضمانا للحماية    أبواب مفتوحة على التوجيه المدرسيّ والإرشاد المهني    رخروخ: الجزائر مؤهلة أكثر من أي وقت مضى لتعزيز حضورها الاقتصادي اقليميا وقاريا    السيدة كريكو تبرز "المكانة المرموقة" التي تحظى بها المرأة ضمن المشروع المؤسساتي لرئيس الجمهورية    الدرك الوطني يحذر من ظاهرة النصب والاحتيال عبر الانترنت    أم البواقي : افتتاح التصفيات الجهوية لمسرح الطفل بمشاركة 11 ولاية    الأمين العام لحركة النهضة من برج بوعريريج: لا بديل عن الانتخابات الشفافة والنزيهة في اختبار من يقود البلاد    جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تنظم لقاء بمناسبة الذكرى ال93 لتأسيسها    منشآت رياضية : بلعريبي يتفقد أشغال مشروع ملعب الدويرة    المنظمة الوطنية للصحفيين الجزائريين تدعو إلى الاستمرار في النضال في وجه التحديات    مشاركة قرابة 20 ولاية في المعرض الوطني للفنون والثقافات الشعبية بعين الدفلى    الشريعة الإسلامية كانت سباقة أتاحت حرية التعبير    برنامج مشترك بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    إذا بلغت الآجال منتهاها فإما إلى جنة وإما إلى نار    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    «إن الحلال بيِّن وإن الحرام بيِّن…»    التوقيع على برنامج عمل مشترك لسنة 2024-2025 بين وزارة الصحة والمنظمة العالمية للصحة    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة يوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    القابض على دينه وقت الفتن كالقابض على الجمر    استئناف حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة اليوم الأربعاء بالنسبة لمطار الجزائر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



رحيل 15 من رجال الإعلام والصحافة.. خمسون سنة تمضي ويبقون في الذاكرة
نشر في الشعب يوم 06 - 03 - 2024

خمسون سنة تمضي على ذلك اليوم الحزين الثامن مارس 1974، والأصعب فيها أن يحضر أمامنا شريط من الذكريات يحمل معه كلّ ألوان الحزن المُخَزَّنِ كلّ هذه السنين لفقدان رفاقٍ فقدناهم ذلك اليوم بعد أن جمعتنا بعدد منهم أجمل ذكريات الصداقة والزمالة والمهنة النبيلة التي أحببناها وحبَّبت لنا قبل ذلك منذ زمن الثورة وعقب استعادة الاستقلال صفوة من رجالٍ كم كانوا متميّزين في كفاءتهم وفي ثوريتهم ووطنيتهم التي ورَّثُوها لجيل ما بعد الاستقلال، ومن بينهم تلك الصفوة الراحلة الذين تميزوا كذلك بحسن تعاملهم الجميل مع محيطهم من زملاء المهنة ومع أصدقائهم، والأكيد أنّهم كانوا أروع وأعطف مع عائلاتهم.
وقد سمعت قصصا من ذلك التعامل الجميل من طرف عدد من عائلات الراحلين عندما أقمنا حفلا تكريميا لهم ولعائلاتهم عام 1983 في اتحاد الصحفيين الجزائريين، حيث كنت عضوا في أمانة ذلك الاتحاد مع مجموعة من الزملاء من أمثال محمد عباس وزهير قادوش وتركية ديب وعمار بن يونس أطال الله أعمارهم وعبد الحميد شايبي ومحمد عرابديو رحمهما الله، وكان حاضرا معنا كذلك كوكبة من رجال ونساء المهنة يتقدّمهم الراحل الكبير امحمد يزيد رحمه الله الذي كم كان يتحفنا بما يجود به من روحه الخفيفة من نكت وحديث شيق يتحفه بما يعرفه من تاريخ الوطن والثورة واستشراف المستقبل، وبما لديه من رؤية للإعلام الذي كان أحد فرسانه وصانعيه أثناء ثورة أول نوفمبر.
ولقد بقيت الصحبة الجميلة التي جمعتني بعدد من أولئك الراحلين عليهم رحمة الله جميعا وعالقة في الذاكرة كلّ هذه السنين لا تغادر مخيلتي، ذلك أنّ عددا من الناس لن تستطيع نسيانهم مهما تقادم الزمن ومهما مرت عليك السنون وتعاقبت عليك الأحداث حُلوها ومرَّها، ذلك أنّه ليس هناك من شيء أصعب على مشاعر الإنسان أن يتذكر رفيقا أو صديقا يموت خارج الوطن موتا مأساويا وهو ما يزال في مراحل شبابه أو في أوج عطائه، والأصعب من ذلك أنّ ذلك الموت اختطف منا منذ خمسين سنة دفعة واحدة خمسة عشر من رجال الإعلام والصحافة الذين ربطتنا بعدد كبير منهم أروع الصداقات والزمالات وربطتنا بهم جميعا مهنة الصحافة التي كانت تلك الفترة بالنسبة لذلك الجيل الذهبي رسالة نضالية مستمدة من مبادئِ وفلسفة ِثورة أول نوفمبر أنبل القيم والممارسات.
وأودّ أن أوضح للتاريخ أنّني لا أدّعي أنني عرفت جميع منْ ماتوا مِن تلك الصفوة من الصحفيين والمصوّرين والتقنيين في ذلك اليوم الثامن مارس في ذلك الحادث المأساوي عبر سقوط الطائرة الفيتنامية، التي كانت تنقل ذلك الوفد الصحفي الذي رافق الرئيس هواري بومدين في الرحلة الآسيوية التي قادته إلى أربعة بلدان آسيوية، ولكنّني عرفت أغلبهم، بل وكانت تربطني بعدد منهم زمالات عمل وزمالات مهنة وبعددٍ آخر منهم صداقات كما هو الحال مع ذلك الرجل الطيب الصحفي المميز عبد الرحمن قهواجي ومع المصوّر الجميل الطلة امحمد بكاي اللذيْنِ كثيرا ما كانت تجمعنا بهما وبعدد آخر من أولئك الراحلين لقاءاتٌ وجلسات ودية ونقاشات عن أحلامنا وعن مستقبل الجزائر، التي كنّا نتطلّع أن تتحوّل إلى يابان إفريقيا في ذلك الزمن وعن مهنة الصحافة والإعلام عموما.
تبدأ قصة تلك المأساة بما انتهت إليه الرحلة الآسيوية التي قام بها الرئيس هواري إلى كلّ من باكستان والصين وكوريا الشمالية وأخيرا الفيتنام في ظرف كان العالم الغربي يتوجّس من دور الجزائر الثوري برئاسة الرئيس بومدين الذي كان أول المبادرين بالدعوة لإقامة نظام اقتصادي دولي جديد، وكان بومدين يسعى لتحريك همم العالم الثالث وخاصة تلك المجموعة المنتمية إلى حركة عدم الانحياز للثورة ضد النظام الاقتصادي العالمي الجائر الذي كان يستنزف ثروات الغالبية العظمى من شعوب دول الجنوب.
كان مؤتمر قمة حركة دول عدم الانحياز الذي عقد شهر سبتمبر 1973 بالجزائر حدثا كبيرا جعل أنظار العالم كلّها تتجه للجزائر، هذا البلد الذي أنجب عديد الرجال الأبطال والثوار الذين جعلوا العديد من شعوب المعمورة تتعلّق بالثورة الجزائرية التي تركت عددا من قادة حركات التحرّر خاصة الإفريقية، يرى في الجزائر كعبة الثوار وقبلة الأحرار المدافعين عن حقّ الشعوب في التحرر بجميع أشكاله السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية.
وقد أسند ذلك المؤتمر التاريخي للرئيس الراحل بومدين رحمه الله مهمة الدفاع في مختلف المحافل الإقليمية والدولية بما في ذلك الجمعية العامة للأمم المتحدة عن حقوق المظلومين والسعي لإقامة نظام اقتصادي دولي عادل يراعي مصالح الأغلبية الساحقة من شعوب المعمورة التي كانت ثرواتها وما تزال تتعرّض للنهب من طرف القوى الغربية.
كانت حركة عدم الانحياز في تلك الفترة بالرغم من الانقلاب الفاشي في الشيلي الذي قاده بينوشي وأدّى إلى اغتيال الرئيس الراحل سلفادور أليندي عقب ذلك المؤتمر وكأنّه موجه لنتائج المؤتمر، وكانت تلك الحركة مؤطّرة من طرف عدد من القادة الثوريين والوطنيين من أمثال كاسترو وتيتو وعلي ذو الفقار بوتو وبومدين والملك فيصل.
ثم إنّ هذه الحركة بالرغم من انتماء عدد من الأقطار فيها إلى المعسكرين الشرقي الاشتراكي والغربي الرأسمالي، إلا أنّها كانت تحاول أن تكون بعيدة عن الولاءات والتكتلات، فلا هي كانت تريد أن تكون شرقية، ولا ترغب أن تكون غربية التوجّه والانتماء خصوصا في الجوانب الاقتصادية، حيث كانت بعض الدول المنتمية لحركة عدم الانحياز وخصوصا الجزائر تسعى بأن يكون لها نمطها الاقتصادي والاجتماعي الخاص بها والمنسجم مع قيم ومبادئ شعبها ومع خصوصياته وتقاليده.
وهكذا ففي نهاية شهر فيفري 1974 توجّه الرئيس بومدين إلى لاهور بالباكستان لحضور مؤتمر القمة الإسلامي الثاني الذي ألقى فيه خطابا ثوريا تاريخيا وجّه فيه نقدا لقادة بعض الدول وخاصة العربية المنتجة للنفط قائلا: إنّ الناس لا يدخلون الجنة وبطونهم خاوية.
وتوجّه الرئيس إثر ذلك إلى جمهورية الصين الشعبية حيث التقى مع قيادتها التاريخية بدءا بالزعيم ماوتسي تونغ ورئيس وزرائه شوإن لاي.
ثم قصد الرئيس بومدين كوريا الشمالية والتقي في عاصمتها بيونغ يونغ بالرئيس كيم إيل سونغ الذي كان يوصف بالزعيم المحبوب والمحترم، وهو جدّ الرئيس الكوري الشمالي الحالي.
وكانت آخر مرحلة من تلك الرحلة جمهورية فيتنام التي كانت قد تمكّنت عام 1973 من دحر القوات الأمريكية وإخراجها من أرض فيتنام بقيادة الجنرال جياب الذي وصف الاستعمار بالتلميذ الغبي.
في فيتنام التي كانت تلك الفترة ما تزال تقاوم نظام بنوم بنه الموالي للغرب وخصوصا أمريكا كانت معظم المطارات الفيتنامية مخربة بفعل الحرب، ولم يكن يوجد بالفيتنام سوى مطارين صالحين للملاحة الجوية أحدهما عسكري.
وهكذا فمع انتهاء الزيارة كانت هناك ثلاث طائرات عسكرية رابضة بأحد المطارات العسكرية تستعد للإقلاع لنقل الوفد الجزائري إلى المطار الرئيسي بهانوي الذي كانت تربض به الطائرة الرئاسية لتعود بالوفد الرئاسي إلى أرض الوطن ذلك اليوم، ولم يكن ذلك المطار يبعد سوى بحوالي 35 كيلومتر، ثم إنّ ذلك المطار لم يكن يوجد به سوى مدرج واحد صالح للملاحة الجوية.
كان الجو يومها غائما وكانت الرؤية ضعيفة.
وهكذا أقلعت الطائرة الأولى التي كانت تقلّ الصحفيين الجزائريين الخمسة عشر الذين قاموا بتغطية جولة الرئيس بومدين الآسيوية.
كانت الفرحة تظهر على الوجوه المبتسمة، وكانت أنفسهم تتوق شوقا بالعودة إلى الوطن واحتضان الأبناء ورؤية العائلة ودفئها، مثلما كانوا يتوقون للقاء زملاء العمل، ولكنّهم ما كانوا يعلمون ما يخفيه لهم القدر، بل وما دار بأذهانهم أنّهم سيعودون محمولين في توابيت خشبية ليدفنوا في تربة الوطن قبل أن تطأ أرجلهم تربة الوطن.
وهكذا فبمجرد إقلاع تلك الطائرة بثواني معدودة حتى راحت ترتطم بالأشجار العالية وتتمايل ثم تسقط غير بعيد عن مكان الإقلاع في أحراش فيها برك ومستنقعات مائية، حيث هلك الجميع على الفور ولم ينج منهم أيّ أحد رحمهم الله جميعا وأسكنهم فسيح جنانه.
كانت القائمة تضمّ 9 صحفيين من الإذاعة والتلفزيون، وأما الستة الباقون فكانوا من الصحافة المكتوبة ووكالة الأنباء الجزائرية والرئاسة.
ثم أقلعت بعدها بوقت قليل الطائرة الثانية التي كانت تقلّ عددا من موظفي الأمن الرئاسي وبروتوكول الرئاسة وبعض الإطارات المرافقة للرئيس، ونزلت بسلام في مدرج مطار هانوي.
وبمجرد هبوطها حتى وصل خبر سقوط الطائرة الأولى لفريق الأمن والبروتوكول الرئاسي.
وهكذا تم على الفور إشعار الوفد الرئاسي الذي كان يستعد للإقلاع بواسطة الطائرة الثالثة بخبر الكارثة.
وهكذا فإنّه تقرّر على الفور أن يتنقل الرئيس بومدين وباقي الوفد عبر البر ويتم إلغاء رحلة الطائرة الثالثة.
كانت الصدمة كبيرة على الرئيس بومدين وعلى باقي الوفد.
وعلى الفور قرّر الرئيس بومدين أن يبقى الدكتور أحمد طالب الذي كان يتولى حقيبة الإعلام والثقافة بهانوي للإشراف على عملية نقل جثامين الصحفيين الراحلين رحمهم الله إلى الجزائر.
ولكن دعوني هنا أروي لكم بعض القصص التي خزَّنتها الذاكرة بخصوص ما وقع وما لم يقع لبعض الأصدقاء سواء مَنْ كانوا في تلك الرحلة، أو مَنْ قطعوا الرحلة ليعودوا للوطن بسبب مرض طارئ، أو مَنْ قادهم القدر ليكونوا في الرحلة، أو مَنِ لم يسافروا أصلا رغم أنّه كان من المفروض أن يكونوا ضمن ذلك الوفد الصحفي برفقة الرئيس بومدين.
وقد بقيت تلك القصص التي سأرويها لكم والتي قد تبدو لكم غريبة محفوظة في الذاكرة وتعود للذاكرة كلّما حلّت ذكرى هذه الحادثة المأساوية.
1/ لقد حكى لي الجنرال الصادق الذي كان وقتها نقيبا مسؤولا في الأمن الرئاسي منذ يومين بعض التفاصيل المثيرة التي سبقت ذلك الحادث المأساوي.
أولا أنّ المرحوم عبد المجيد علاهم رحمه الله مدير التشريفات برئاسة الجمهورية في تلك الفترة طلب من المسؤولين الفيتناميين توفير سيارات بدلاً من الطائرات لنقل الوفد الرئاسي بكامل أعضائه بما فيهم الرئيس بومدين والوفد الرئاسي المرافق له والصحفيين ال 15 وأعضاء التشريفات والأمن الرئاسي ال 15 نحو مطار هانوي، الذي كان يبعد بحوالي 35 كيلو مترا عن مقر الإقامة.
ولكنّ المسؤولين الفيتناميين أوضحوا له أنّ الطريق البرية ليست جيدة وليست مُؤمَّنة للاستعمال، كما أنّ السيارات الكافية لم تكن تتوفر لدى الفيتناميين لنقل كلّ الوفد.
وهكذا تقرّر أن يُنقل الوفد الصحفي وأعضاء الأمن والتشريفات الرئاسية في طائرة واحدة، ولكنّه تم التخلي عن هذا الإجراء حيث تقرّر أن يُنقل الوفد الصحفي في طائرة عسكرية واحدة، وينقل أعضاء التشريفات والأمن الرئاسي الجزائري في طائرة ثانية تقودهم إلى المطار الرئيسي الذي كانت تربض به الطائرة الرئاسية.
وأثناء وجود الجميع بالقاعة الشرفية وقبل عملية الإقلاع حدثت قصتان غريبتان من بين تلك القصص الغريبة التي تحكم فيها القضاء والقدر.
كان الصديق محمد الهادي حمدادو المستشار التقني حينها بالرئاسة يجلس مع سي الصادق في القاعة الشرفية قبيل عملية إقلاع طائرة الوفد الصحفي، وعندما نهض الأستاذ حمدادو ليلتحق بالطائرة ويصعد مع الوفد الصحفي باعتباره مسؤولا عن الصحفيين راح سي الصادق يقول مبتسما لصديقه الحميم سي حمدادو، كما أكّده ذلك لي يوم الأحد الماضي سي الصادق، بأنّه إذا لم يركب معه في الطائرة الثانية، فإنّه لن يجلس مرة أخرى بجانبه.
وهكذا فقد كتب القدر للصديق محمد الهادي حمدادو أطال الله عمره النجاة والعمر المديد، وهو ما حدث مع السيد جبايلي الذي كان مكلّفا بالكتابة حينها على الآلة الراقنة برئاسة الجمهورية، فقد حاول الصعود لطائرة الوفد الصحفي، ولكنّه تراجع ليكون في الطائرة الثانية التي أقلّت وفد الأمن الرئاسي والتشريفات.
وقد كتب القدر للسيد جبايلي هو الآخر أن يعيش عمرا جديدا إلى أن تقاعد عن العمل من الرئاسة منذ أعوام، ولا أدري إن كان مازال على قيد الحياة.
2/ قبل جولة الرئيس بومدين الآسيوية كان الصحفي الراحل بالتلفزيون الصديق عبد الرحمن قهواجي يقوم بروبورتاج في تمنراست، وطلب منه الراحل المدني حواس الذي كان يتولى حينها مهام رئيس دائرة الأخبار بالتلفزيون أن يقطع مهمته ويعود للعاصمة ليكون ضمن الوفد الصحفي الذي سيرافق الرئيس بومدين في تلك الرحلة الآسيوية، ورغم أنّ المرحوم قهواجي قد أبلغ مسؤوله سي المدني حواس رحمه الله بأنّه لم يكمل مهمته في تمنراست فإنّ سي المدني ألحّ عليه بالعودة فورا، وهذا ما كان حيث سافر مع الوفد الصحفي.
ولكن القدر شاء أن يكون قهواجي في عداد من فقدناهم ذلك اليوم الحزين رحمهم الله جميعا.
وأودّ أن أذكّركم أنّني كنت في تلك الفترة قد أخبرت المرحوم قهواجي قبل أن يتوجّه إلى تمنراست بأنّني ذاهب في رحلة دراسية ميدانية طلابية إلى القاهرة مع مجموعة من أساتذة وطلبة المدرسة العليا للصحافة، فإذا بالمرحوم قهواجي يعطيني مبلغا من العملة الصعبة ويطلب مني أن أشتري له من ليبيا آلة تسجيل، وهذا ما حدث حيث عدت له بتلك الآلة لأفاجأ لاحقا بذلك الحادث المأساوي الذي أودى بحياته وبحياة باقي الصحفيين.
3/ رافق الرئيس بومدين في تلك الرحلة المرحوم محمد بومديني الذي كان يشغل منصب رئيس تحرير للقناة الأولى للإذاعة.
ولعلّه من الغرائب أنّ المرحوم بومديني كان يُفترض أن يقوم بتغطية الرحلة الرئاسية الآسيوية كاملة، ولكنّه ورغم إلحاح مسؤولي الإعلام بالرئاسة المرافقين للرئيس ومن بينهم الدكتور عميمور وحمداد، وعليه فإنّ المرحوم بومديني فضل أن يعود إلى الجزائر مباشرة بعد تغطيته لوقائع مؤتمر قمة الإسلامي لاهور بعد أن شعر بمغص حادّ، وقد عاد للجزائر وعاش رحمه الله فترة طويلة.
ولا يمكن هنا أن أنسى أنّ المرحوم بومديني قد سقط مغشيا عليه في قاعة التحرير للقناة الأولى والثانية بعد أن علمنا صبيحة اليوم الموالي من سقوط الطائرة بوفاة جميع الصحفيين الذين رافقهم إلى مؤتمر لاهور، فقد كانت صدمة كبيرة له، إذ تخيل المرحوم بومديني أنه كان ضمن ذلك الوفد.
4/ أما الصديق محمد ملايكة أطال الله عمره والذي كان صحفيا بالتلفزيون فإنّه يذكر بأنه تم إشعاره مسبقا بموعد السفر ليكون ضمن الوفد الصحفي في رحلة الرئيس بومدين الآسيوية، ولكنّه أخذ عطلة ذلك الوقت ولم يتم تذكيره بموعد السفر.
وكانت تلك أيضا من المصادفات العجيبة بالنسبة لمحمد ملايكة.
وهكذا فقد شاءت الأقدار أن تمنح أعمارا جديدة لكلّ من المجاهد محمد الهادي حمدادو ومحمد ملايكة أطال الله أعمارهما، ولمحمد بومديني رحمه الله الذي عاش بعد ذلك الحادث المأساوي أعواما عدّة وللسيد جبايلي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.