تكوين الشباب في مجال مناهضة خطابات الكراهية والتمييز "مبادرة ذكية تعزز اللحمة الوطنية"    ممثلا لرئيس الجمهورية.. العرباوي يتوجه إلى كينيا للمشاركة في قمة المؤسسة الدولية للتنمية    انطلاق الاختبارات التطبيقية لأول بكالوريا في شعبة الفنون بالعاصمة    ارتفاع حصيلة الاعتقالات بالضفة الغربية إلى نحو 8495 فلسطيني منذ 7 أكتوبر الماضي    الجيش الصحراوي يستهدف قاعدتين لقوات الاحتلال المغربي بقطاع المحبس    المرشدات الدينيات يعتبرن مدرسة تكوينية للأجيال    غرداية : اقتراح عدة معالم تاريخية لتصنيفها تراثا ثقافيا    اندلاع مواجهات مع قوات الاحتلال في الضفة الغربية    خنشلة: توقيف 12 شخصا في قضايا مختلفة    وثائقي من إنتاج مديرية الإعلام والاتصال لأركان الجيش: الجزائر الجديدة.. إنجازات ضخمة ومشاريع كبرى    مع انطلاق حملة مكافحة الحرائق: منع التخييم والتجول بالغابات بداية من الأربعاء بقسنطينة    صراع أوروبي على عمورة    حوادث المرور: وفاة 4 أشخاص بتيبازة وتيزي وزو    لأول مرة في تاريخ القضاء الجزائري: رئيس الجمهورية يمنح قضاة المتقاعدين لقب "القاضي الشرفي"    رفض الكيل بمكيالين وتبرير الجرائم: قوجيل يشجب تقاعس المجتمع الدولي تجاه القضية الفلسطينية    كشف عنها وزير المالية وسجلتها المؤسسات المالية الدولية: مؤشرات خضراء للاقتصاد الوطني    إياب نصف نهائي كأس الكونفدرالية: الاتحاد متمسك بموقفه وينتظر إنصافه بقوة القانون    بطولة الرابطة الثانية    الإقبال على مشاهدته فاق التوقعات    مباشرة إجراءات إنجاز مشروع لإنتاج الحليب المجفف    البنوك تخفّض نسبة الفائدة على القروض قريبا    الفريق أول السعيد شنقريحة : "القيادة العليا للجيش تولي اهتماما كبيرا للاعتناء بمعنويات المستخدمين"    الجولة 24 من الرابطة المحترفة الأولى "موبيليس": تعادل منطقي في داربي الشرق بين أبناء الهضاب وأبناء الزيبان بين والساورة تمطر شباك اتحاد سوف بسداسية كاملة    الرئيس تبون يمنح لقب "القاضي الشرفي" لبعض القضاة المتقاعدين    التسجيل الإلكتروني في الأولى ابتدائي في 2 ماي المقبل    استئناف أشغال إنجاز 250 مسكن "عدل" بالرغاية    بسكرة: ضبط ممنوعات وتوقيف 4 أشخاص    مظاهرات الجامعات يمكن البناء عليها لتغيير الموقف الأمريكي مستقبلا    لا صفقة لتبادل الأسرى دون الشروط الثلاثة الأساسية    10 % من ذخائر الاحتلال على غزّة لم تنفجر    نطق الشهادتين في أحد مساجد العاصمة: بسبب فلسطين.. مدرب مولودية الجزائر يعلن اعتناقه الإسلام    لحوم الإبل غنية بالألياف والمعادن والفيتامينات    حساسية تجاه الصوت وشعور مستمر بالقلق    هدم 11 كشكا منجزا بطريقة عشوائية    دورة تكوينية جهوية في منصة التعليم عن بعد    الاتحاد لن يتنازل عن سيادة الجزائر    رياض محرز ينتقد التحكيم ويعترف بتراجع مستواه    إنجاز جداريات تزيينية بوهران    15 ماي آخر أجل لاستقبال الأفلام المرشحة    أكتب لأعيش    بيولي يصدم بن ناصر بهذا التصريح ويحدد مستقبله    لو عرفوه ما أساؤوا إليه..!؟    استفادة كل ولاية من 5 هياكل صحية على الأقل منذ 2021    وزير النقل : 10 مليار دينار لتعزيز السلامة والأمن وتحسين الخدمات بالمطارات    جيدو /البطولة الافريقية فردي- اكابر : الجزائر تضيف ثلاث ميداليات الي رصيدها    محسن يتكفل بتموين مستشفى علي منجلي بخزان للأوكسيجين بقسنطينة    الطبعة الأولى لمهرجان الجزائر للرياضات: مضمار الرياضات الحضرية يستقطب الشباب في باب الزوار    استثمار: البنوك ستخفض قريبا معدلات الفائدة    تجاوز عددها 140 مقبرة : جيش الاحتلال دفن مئات الشهداء في مقابر جماعية بغزة    ندوة ثقافية إيطالية بعنوان : "130 سنة من السينما الإيطالية بعيون النقاد"    نحو إعادة مسح الأراضي عبر الوطن    منظمة الصحة العالمية ترصد إفراطا في استخدام المضادات الحيوية بين مرضى "كوفيد-19"    مهرجان الفيلم المتوسطي بعنابة: الفيلم الفلسطيني القصير "سوكرانيا 59" يثير مشاعر الجمهور    حج 2024 : استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    أهمية العمل وإتقانه في الإسلام    مدرب مولودية الجزائر باتريس يسلم    حج 2024 :استئناف اليوم الجمعة عملية حجز التذاكر للحجاج المسافرين مع الديوان الوطني للحج والعمرة    دروس من قصة نبي الله أيوب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



التنسيق بين القطاعات هو الكفيل بتنمية المنطقة مع الحفاظ على التراث
نشر في الشعب يوم 22 - 11 - 2015

الكفاءة .. المردودية والنجاعة مقوّمات التسيير الأمثل
تنقلت « الشعب» إلى مدينة جانت، الواقعة في قلب الحظيرة الثقافية للطاسيلي، هذا المعلم الثقافي والحضاري العالمي الممتد على مساحة 138 كيلومتر مربع، التقينا السيد محمد العيد صمّادي، عالم آثار ومحافظ رئيسي للتراث بالحظيرة الثقافية للطاسيلي، والذي يعمل بها منذ سنة 1989.. أطلعنا بحكم تجربته الميدانية الطويلة على كل ما يعوق الاستغلال الأمثل لهذا الكنز التراثي والطبيعي، مركزا على العامل الأهم في نظره، وهو ليس الآثار في حد ذاتها، وإنما الإنسان، فالإنسان في نظره هو من يخلق الثروة والحضارة والتنمية.
«الشعب”: في البداية، هل يمكن أن تحدّثنا في عجالة عن حظيرة الطاسيلي؟
محمد العيد صمادي: الحظيرة الثقافية للطاسيلي، التسمية الجديدة لما عرف سابقا ب«الحظيرة الوطنية للطاسيلي”، وذلك بموجب مرسوم، والسبب في تغيير التسمية يأتي بحكم أن التراث الثقافي يشمل كل جوانب حياة الإنسان بما في ذلك الثقافي والطبيعي، فالتفريق بين الاثنين نظرة تجاوزها الزمن، والتراث الثقافي هو كل المحيط الذي عاش فيه الإنسان، وترك لنا هذه الكنوز الثقافية والحضارية.
الحظيرة من أهم الحظائر في العالم، تأسست سنة 1972، وكانت حظيرة وطنية، لتصنفها اليونسكو كتراث إنساني سنة 1982، وتصنفها منظمة “ماب” البيئية كمحمية طبيعية سنة 1986. وتتربع على مساحة 138 ألف كلم مربع، مقسمة إلى 3 مناطق أساسية، وهي المنطقة الجنوبية، الوسطى، والشمالية وهي منطقة إليزي، وتحتوي على تراث أثري وتاريخي معتبر، وهناك مواقع أثرية لآثار الإنسان ترجع إلى مليونين وخمسمائة ألف سنة وبالضبط في موقع “برج تان كنة”، كما أنها أكبر تمركز للفن الصخري في العالم بآلاف الرسومات والنقوش، المواقع الأثرية تعد بالمئات إن لم نقل الآلاف، إذن فمنطقة الطاسيلي فضاء جغرافي، وفضاء ذاكرة، تاريخ، حضارة وثقافة.. وهذه المنطقة مشابهة لكل الجزائر التي تعتبر متحفا في الهواء الطلق، وكل كيلومتر مربع منها هو خزان للحضارة.
وبالنسبة للجانب العلمي يمكن اعتبار هذه المنطقة مخبرا في مجال دراسة التراث والحضارة، وأيضا كل الموارد الطبيعية، والتنوع البيئي للطاسيلي له أهمية ذات بعد عالمي، حيث نجد 375 صنف نباتي وكل منها له فوائد طبية مؤكدة علميا، وهناك منها ما هو مميز جينيا، مثلا هناك نبتة تعطينا الزهرة والبذرة في مدة 15 يوما فقط، وتصوروا لو استفدنا من هذه الخصائص علميا في المحاصيل الزراعية، ما يمثل فائدة اقتصادية للمنطقة، وإذا كنا ننوي فعلا الاعتماد على مقومات اقتصادية بديلة خارج المحروقات فيجب علينا الالتفات إلى هذه المقومات الطبيعية التي لم نولها أي اهتمام. وفي هذا الإطار فإن الشراكة مع المراكز العالمية ممكنة، ومراكز البحث الجزائرية موجودة، والكفاءات الجزائرية متوفرة، لذا علينا التفكير في مختلف البدائل، و«الطاسيلي” يمكن أن يقدم بدائل معتبرة في مجالات التنمية المستدامة والاكتفاء الغذائي.
وهكذا فإننا انطلقنا من الحديث عن تراث المنطقة إلى الحديث عن قضايا الأمن الغذائي والتماسك الاجتماعي والهوية والتاريخ والشخصية الجزائرية، وهذا دليل على أن هذه المنطقة كنز ما يزال ينتظر الاستغلال الكافي والعقلاني. لحد الآن أطلقنا اسم “طاسيلي” على زيوت سيارات، وفنادق وربما شركات، وحتى اسم “طاسيلي” نستعمله بشكل خاطئ لأنه يكتب بالتاء وليس بالطاء، قد تكون مجرد ملاحظات بسيطة ولكنها تفرز أفكارا عميقة.
قد يفهم الناس من تسمية “حظيرة ثقافية” أنه يمنع العيش أو الاستثمار داخلها.. هل هناك قوانين تمنع مختلف أشكال الاستغلال لمحيط المنطقة؟
شكرا على هذه الملاحظة.. من مميزات هذه الحظيرة أنها آهلة بالسكان، وكانت تغطي مساحة ولاية واحدة وهي إليزي، وولايتين الآن وهما إليزي والولاية المنتدبة للمقاطعة الإدارية لجانت، ومادامت الحظيرة آهلة بالسكان، فهؤلاء هم في حاجة إلى تنمية مثلهم في ذلك مثل سكان باقي مناطق الوطن، ولكن على الجهات القائمة على تسيير هذه الفضاءات الجغرافية بمختلف تخصّصاتها التوفيق بين متطلبات التنمية (وهي حق مشروع) ومتطلبات الحفاظ على هذا التراث والكنز الثقافي في نفس الوقت، وفي رأيي المتواضع فإن الطريقة الذكية للقيام بذلك هي أن لا نعزل التراث عن حياة المجتمع، ونجعل منه عاملا أساسيا في التنمية وقاعدة أساسية لها.
ومن الأمثلة الأحسن في العالم المثال الآسيوي، الذي بنى التنمية على أسس التراث الثقافي والتاريخي للمجتمعات الآسوية. إذن فتراث الطاسيلي يجب أن يكون قاعدة ينطلق منها قطار التنمية في مجال العمران، وتسيير المدينة، واستغلال الموارد، والمقومات الحضارية والأثرية المادية الموجودة، وأن نعطيها قيمة تجارية ببناء صورة حول منطقة الطاسيلي نسوّقها إلى كل دول العالم. وحتى المنتوج السياحي أو ما يعرف ب “وجهة الجزائر” هو منتوج مستورد، لأنه يوضع من طرف مؤسسات سياحية أجنبية، ويباع عن طريق الأنترنت، ولا يقوم الطرف الجزائري إلا بالمناولة، إذن فنسبة الأرباح تذهب إلى هذه المؤسسات في الخارج ولا يستفيد منها المتعامل الجزائري.
فقط لنؤكد على النقطة السابقة: ألا يوجد أي قانون يمنع السكن أو الاستثمار داخل الحظيرة؟
لا يمكن في أي حال من الأحوال المحافظة على التراث بالممنوع، لأنه كما ذكرنا سكان المنطقة في حاجة إلى التنمية وهو حقهم المشروع، لذا فلا قانون يمنع ذلك، ولكن توجد قوانين تضبط كيفية الاستغلال في مجال البناء والأشغال العمومية والفلاحة، ولكن لا يوجد نص صريح يمنع الاستثمار في أي مجال من المجالات أو يعرقل التنمية، القضية قضية قراءة نصوص، وعيبنا يكمن في نقص التنسيق بين مختلف القطاعات، ليس لدينا نظرة شاملة تشترك فيها مختلف القطاعات المتداخلة في هذا الفضاء الجغرافي، فلكل قطاع برامجه الخاصة، وأهدافه ومشاكله الخاصة، ولكن هذه القطاعات لا تلتقي حول طاولة وتضع استراتيجية موّحدة من أجل ضمان التنمية من جهة والتراث الثقافي للمنطقة من جهة أخرى.
تحدّثت عن وضع استراتيجية، وعناصر الاستراتيجية هنا هي الأهداف المتمثلة في التنمية مع الحفاظ على التراث، والسياق العام وهو المنطقة الجغرافية ذات المساحة الشاسعة، فيما تعتبر الإمكانيات العنصر الثالث.. ما هي الإمكانيات الواجب توفيرها للوصول إلى هذا الهدف في إطار السياق المعطى؟
هناك تطور فيما يخص النصوص القانونية والتشريعات المتعلقة بتسيير التراث، وآخرها القانون 04 98 المتعلق بالتراث، لكن الإشكالية تكمن في نقص التنسيق بين القطاعات، التي برامجها تسير ضمن الحالات الاستعجالية.
نحن هنا نتحدث عن التنمية في هذه المناطق ودور الحظيرة في هذه الديناميكية، وحسب النصوص القانونية الموجودة تجعل من الديوان المسير للحظيرة قاطرة التنمية، بل وتجعل من السلطات المحلية (الولاية مثلا) شريكا للحظيرة وليس وصاية، فالديوان هو تحت وصاية الثقافة، والقانون يخوله ليشكل قوة اقتراح لمختلف المتدخلين في تراب الحظيرة. أما بالنسبة للمساحة، فالمناطق الآهلة بالسكان وتمركزهم معروفة، وعددهم بالمقارنة مع المساحة ضئيل جدا، لذا فبإمكاننا السيطرة على الوضع إذا توفر شرط أساسي هو التنسيق. هل يعقل أن تسجل برامج ويقرر قطاع ما إنجازها دون إخطار أو إشراك الديوان المسير للحظيرة الثقافية؟ من الأمثلة على ذلك قطاع البناء، فمنذ أكثر من 20 سنة ونحن نحاول اقتراح نمط عمراني للمنطقة، ونحن نؤكد على ضرورة أخذ ثقافة وتقاليد سكان إليزي بعين الاعتبار، هذه المنطقة صحراوية وتقاليدها معروفة: استقبال الضيف، الحياة اليومية... فهل يحق لقطاع البناء أن ينجز شققا ذات غرفتين مثلا في هذه المنطقة؟ إذن فنحن نحتاج إلى مساحة معينة بالنسبة للمسكن لضمان هذا التوازن الثقافي الذي يضمن للإنسان راحة وتناغما مع ثقافته وتقاليده. وبالنسبة لواجهات البنايات يجب الاتفاق على واجهة عمرانية تمثل المنطقة وتنبثق من ثقافتها العريقة.
أما بالنسبة للعقارات فالأمر المؤكد هو شساعة المنطقة، وفي المقابل نضيق في البناءات، وأهل المنطقة يعيشون 10 أشهر في الهواء الطلق، ولا يميلون إلى صيغة الشقق، وهو أمر لا يؤثر فقط على الفرد بل على المجموعة ككل، لأننا نغير بطريقة مقصودة أو غير مقصودة تقاليدا من آلاف السنين. والاقتراح الذي تقدمنا به يمثل 10 إلى 20 مرة أقل من تكلفة السكنات الحالية، ويتمثل في إعطاء قطع أرض (200 أو 300 متر مربع) مع بناء بعض الغرف والباقي فضاء فارغ ما يسمى محليا “الرحبة”، ونكون بذلك حققنا عدة أهداف في نفس الوقت: تقليص التكلفة، ضمان الحفاظ على الهوية والثقافة، وضمان الحفاظ على التراث الذي لا يكون بالشعارات، لأن هذه الأخيرة تهدد التراث. علينا أن نمّحص ونقيّم كل ما تم إنجازه، والمقاربة المعتمدة للموقع، ونسأل أنفسنا: هل يمكن أن نأتي بمخطط عمراني لأي ولاية من ولايات الوطن وننجزه في إليزي؟ على العكس، أدى ذلك إلى توسع السكان عمرانيا بطريقة عشوائية.
.. وأغتنم هذه الفرصة لأقول إن تراث الطاسيلي في خطر، لأن برامج التنمية تستعمل المصعد الكهربائي، فيما لا تزال إمكانيات الحفاظ على التراث تستعمل الدرج التقليدي.
ما العمل للحفاظ على هذا التراث؟
إن تجربتنا تبقى فتية، لها إيجابيات كثيرة، ولكن لها سلبيات على الرغم من قلتها إلا أن تأثيرها على المجتمع عميق، والطريقة المثلى لتسيير الحظيرة ترتكز على عنصرين أساسيين: الأول هو التطبيق الصارم لقوانين الجمهورية، ولدينا نصوص رائعة في هذا المجال ولكن معظمها لا يطبق بطريقة سليمة، وإذا تم تطبيقها فإن 80 بالمائة من المشاكل ستزول مباشرة. الثاني هو إعادة النظر في تسيير الحظائر، فهل يعقل أن نسير حظيرة ب 138 ألف كلم مربع (أي 4 أو 5 مرات مساحة سويسرا) بمؤسسة ذات طابع إداري، ووسائلها معروفة؟ حتى نكون شركاء في الميدان يجب تدعيم وسائل التدخل الميداني، البشرية منها والمادية، يجب أن نعيد فتح هذا الملف ونضع له الوسائل الضرورية، وهذا يتأتى بالاستماع لرجال الميدان، وأصحاب الخبرة وحتى المتقاعدين، وأنا لا أوصل رسالة تشاؤمية لأن الخبرة والكفاءة والحلول متوفرة.
هناك سؤال أساسي يجب طرحه: ما هي أنماط التنمية الواجب تطبيقها في مثل هذه المناطق الصحراوية؟ فخصوصية هذه الأخيرة تفرض أنماطا تتماشى مع البيئة والمناخ والطبيعة الجغرافية، ولكن ترتكز أساسا على تكوين الإنسان، وإذا نجحنا في الاستغلال الجيد لكل هذه المقومات فيمكن لمنطقة الطاسيلي الارتكاز على عنصرين أساسيين في التنمية هما السياحة والخدمات، والفلاحة. وتاريخيا كانت جانت مكتفية ذاتيا وتصدر محاصيلها الفلاحية للدول والمناطق المجاورة، فالخبرة في استغلال الأراضي موجودة والمياه كذلك.
أما استغلال السياحة والخدمات فيكون بفتح المجال أمام أهل هذا القطاع، من مختصين في السياحة الصحراوية من أبناء المنطقة، وهم موجودون، ويجب الاستماع إليهم لأنهم المعنيون الأوائل بالوضع، ولا نستطيع أن نفرض عليهم أنماط عمل ليسوا مقتنعين بها. صحيح أن السياحة الخارجية مرتبطة بكل ما يحصل في العالم، هذا القطاع هش للغاية، ويتأثر بالنزاعات وغيرها، ولكن يجب من وجهة نظري الارتكاز على السياحة الوطنية، وهذه الأخيرة هي التي ستجلب السياحة الأجنبية، وتشجيع السياحة الوطنية ممكن جدا، ولكن على العديد من القطاعات أن تتدخل وأولها قطاع النقل، خاصة الجوي، وللمنشآت القاعدية دورها، مثلا الطريق الوطني الرابط بين إليزي والشمال أنجز سنة 1994. كما أن أسعار النقل بالطائرة ليست في متناول الجميع، فعائلة متوسطة الدخل من 5 أفراد يلزمها قرابة 150 ألف دينار للنقل فقط. ولكن من مميزات السياحة الصحراوية أنها لا تحتاج إلى فنادق، فالمبيت في الفندق يكون ليلتي الوصول والمغادرة. ونطرح سؤال: لماذا لا يوجد رحلات شارتر؟
يجدر بنا التذكير بأنه لما كانت السياحة منتعشة كان حوالي 80 بالمائة من سكان جانت يعيشون من السياحة بطريقة مباشرة أو غير مباشرة. إذن المقومات موجودة وعناصر النجاح موجودة، ولكن الحلقة الأخيرة التي تجمع بين كل هذه العناصر هي ما ينقصنا، قد نضع استراتيجيات أو مشاريع ولكن يجب أن يتوفر الوضوح في الرؤية كذلك.
بما أن ديوان الحظيرة ينضوي تحت وصاية وزارة الثقافة، ألا تتحمل هذه الأخيرة عبء ضمان هذه الرؤية الواضحة التي تدعو إليها؟
في العشرين سنة الماضية، يمكن القول إن المجهودات المبذولة في قطاع الثقافة معتبرة، من حيث التشريع والتطور الهائل في النصوص، فقطاع الثقافة حصر كل ما هو موجود من تراث مادي في هذه المناطق، وحدد المواقع بحسب هشاشتها، وبقي على القطاعات الأخرى أن تضع اليد في اليد مع قطاع الثقافة للتسيير الأمثل لهذا الفضاء، ولضمان رفاهية الإنسان والمردودية الاقتصادية. يجب أن ندخل مصطلحات مثل الكفاءة، المردودية، النجاعة، في كل تحركاتنا، وإذا لم تتوفر هذه المقومات فهو ليس في مكانه المناسب.
وهنا يأتي دور الأنتلجنسيا والنخبة المثقفة، كالجامعة على سبيل المثال؟
هذا صحيح، بشرط عدم إغفال الثقافة المحلية والاستماع للسكان المحليين، وسأعطي مثالا ملموسا على ذلك: في مدينة جانت كان مشروع تعبيد طريق من حوالي 5 كيلومترات، فجاء شيوخ من المدينة وقالوا للتقنيين إن أول فيضان مع أول أمطار سيتلف الطريق، واقترحوا مسارا آخر يمر على قرية عين أبربر، وبعد زمن قصير حدث بالفعل ما تم التحذير منه، وأتلفت الأمطار الطريق، وأعيد تعبيدها بحسب مقترح هؤلاء الشيوخ، الذين ورثوا هذه المعرفة والإرث الثقافي والحضاري، إرثٌ على النخبة والجامعة أن تأخذه بعين الاعتبار وتثمنه بطريقة علمية موضوعية.
كيف ترى مستقبل حظيرة الطاسيلي؟
أنا متفائل جدا لسبب رئيسي، وهو أنني أرى هذا الجيل من شباب متخرج من الجامعات والمدارس، واهتمام المجتمع المدني والجمعيات.. هناك شباب يهتم بالتراث وإعادة إحيائه، وعلينا أن نستثمر في هذه الديناميكية، ونجعل منها دفعا للبرامج التي تضمن التنمية المحلية. نسبة الوعي تزداد عند الشباب، لذا أنا متفائل، ولكن هذا لا يعني أن المهمة سهلة، فالصعوبات ستتضاعف بما أن ولايتنا فتية وستحتاج إلى منشآت قاعدية وتنمية، وعلينا أن لا نكرر نفس الأخطاء وأن نثمن كل ما هو إيجابي في التجربة الأولى ونبتعد عن كل ما هو سلبي، وأؤكد مرة أخرى على ضرورة التنسيق بين مختلف القطاعات، التي يوجد منها من لديه برامج استعجالية كبناء مقرات وإدارات ومستشفيات وغيرها، وكما هو معروف “عند الاستعجال فإننا نتغاضى عن المعايير”، ونبقى بذلك في المؤقت الذي يدوم، ونكرر الأخطاء التي نحن في غنى عنها. علينا كجزائريين أن نتعلم كيف نصنع أشياءً من لا شيء، فبلادنا حباها الله بثروات وموارد طبيعية هائلة، وثروتها الأساسية هو شعبها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.