صار الهاتف النقال يتحكم بالهاتف النقال لدرجة أنّ الكثيرين لا يستغنون عنه لا في البيت، ولا في العمل، ولأن الكثير من المكالمات التي يجرونها هي مكالمات خاصّة، فان إجراءها في أماكن عامة، مثل مقرات العمل يمكن أن يخلق حرجا لباقي الزملاء، وربما تطور الأمر فتحوّل إلى شجار. سفيان الذي يعمل في شركة خاصّة، حيث يتقاسم المكتب مع زميلة له، والتي لم تمض أشهر على التحاقها بالعمل، إلاّ أنّها راحت تتصرف بحرية، وتطلق لنفسها العنان في القيام بحركات وأقوال وأفعال لا تحدث حتى في الشارع-كما وصفها لنا سفيان- ومن ذلك المكالمات الشخصية التي كانت تجريها مع صديقها عبر الهاتف، والتي لا تخلو من دلال واستهتار وعبارات موحية، ومواعيد في الملاهي الليلية، وغير ذلك من أقوال وأفعال فاجرة، دون أن تحترم زميلها، وكان سفيان كثيرا ما يطلب منها الكفّ عن تلك التصرفات، لكنها-وكما لو كانت تتعمد مضايقته- تزيد من عدد مكالماتها ومن حدّة استهتارها، ويضيف لنا سفيان قائلا:" منذ اليوم الأول الذي التحقت فيه زميلتي بالعمل والمكتب جاءتها مكالمة من صديق لها، فاستغرقت قرابة النصف ساعة في التحدث معه، وكانت الألفاظ والعبارات التي كانت تستعملها غاية في الوقاحة، ورغم انزعاجي من ذلك إلاّ أني لم اعترض، وفي اليوم الثاني تكرر نفس السيناريو تقريبا، وكذلك في اليوم الذي يليه والأسبوع كله، فأدركت أنّ الفتاة قد اعتادت التحدث في الهاتف وبتلك الطريقة المخزية، وانّه لا بدّ أن أتدخل لأوقفها عند حدّها ففعلت، وأخبرتها بكل هدوء أن تكفّ عن ذلك، وعوض أن تخجل وتعتذر وتحزن، غضبت وراحت تصرخ وتردّ بطريقة أوقح من عباراتها، ولم تتوقف عن عادتها بل زادت، فلم أجد إلاّ أن اشتكيها إلى المدير وان اطلب نقلي او نقلها إلى مكتب آخر، وأضاف لنا سفيان حول الموضوع قائلا:" لا بدّ أن يبقي كل واحد منا مكالماته سرّية، خاصّة إذا كانت مكالمات شخصية وغرامية فيها مواضيع وعبارات محرجة." أماّ سليمة فهي سيدة في الثلاثين من عمرها، قصت علينا كيف أنّ مكالمة هاتفية تسببت في شجار بينها وبين صديقتها، وفي افتراقهما نهائيا، حيث قالت لنا:" كانت تلك الصديقة تعمل مع سليمة في شركة واحدة، وقد تعرفت تلك الصديقة على رجل قام بخطبتها، فراحت تكلمه يوميا عبر الهاتف، وكانت تتناول معه في العادة مواضيع خاصّة، وتتكلم باستهتار مستعملة عبارات اقلّ ما يقال عنها أنّها وقحة، أما أنا فكنت المح لها بالخطأ الذي ترتكبه فكانت تتجاهلني، وعندما صارحتها بضرورة التوقف عن تلك المكالمات الشخصية والتي تقوم بها أمامي، ثارت في وجهي وأسمعتني كلاما كثيرا جارحا من بينه أنني أغار منها لأني لم ارتبط بأحد حتى الآن، وهو كلام جارح لم أستطع تحمله، فقطعت صداقتي بها نهائيا، ورغم أنّها اعتذرت مني بعد ذلك مرّات عدّة، إلاّ أنّ الكلام الذي قالته لي لم أتمكن من نسيانه، ولا من مسامحتها."