بقلم: فوزي حساينية الجزء الثاني والأخير نعم يوجد في العرب خونة وعملاء ومتواطؤون ومهزومون ( المهزومون عنوان رواية مشهورة للكاتب السوري هاني الراهب ) هذه ظاهرة لا تقتصر على العرب وحدهم فالاطلاع على تاريخ الحرب العالمية الثانية مثلا كفيل بأن يُرينا ظواهر مماثلة لدى الشعوب والدول الأوروبية، وهي أحداث لا نستشعرها ،لأن الزمن والواقع الأوروبي الراهن قد غيبها عن وعينا المباشر. لكن لنتساءل بصدق ألا توجد فعلا مقاومة عربية ضد إسرائيل، ماذا نقول إذا عن المقاومة الوطنية اللبنانية التي أذلت الكبرياء الإسرائيلي وحطمت غروره؟ ماذا نقول في المقاومة والصمود اليومي للشعب الفلسطيني في القدس وفي غزة ؟ وماذا عن مئات من الكتاب والمفكرين والفنانين والشعراء العرب الذين يمارسون المقاومة ضد محاولات التيئيس وتدمير الوعي العربي؟ بل ماذا نقول في مقاومة الإنسان العربي العادي والذي يرفض الاعتراف بدولة مزعومة اسمها " إسرائيل" ويحتفظ بالأمل واليقين في أن أيام إسرائيل لن تطول على الأرض العربية ؟ وهذه ليست خيالات أو أوهام، بل هي حقائق يدركها الغربيون جيدا، وهو الأمر الذي يفسر هذه الحملة الإرهابية العالمية لتدمير الدولة السورية وتفكيك جيشها العربي، وتشريد شعبها، ويفسر أيضا تدمير الدولة في العراق وليبيا وإغراق الصومال واليمن في الفوضى وصراع الإثنيات والمذاهب والألسن، أما أن "هزائم العرب المتتالية قد جعلت فكرة الانسلاخ عن الانتماء للعرب تكبر لدى سكان شمال إفريقية عامة والجزائر خاصة " نعم إن القراءة الأولية لهذه الفقرة قد توحي للقارئ المغاربي بأفكار معينة وتدغدغ فيه مشاعر الغرور والتميز، ولكننا عندما نقوم بقراءة تفكيكية ماذا نجد ؟ مصر جزء من شمال إفريقية ولكننا لم نسمع أبدا أن في مصر من يفكر في الانسلاخ عن الانتماء للعرب، كما أن الأفكار والاتجاهات التي نادت بانتماءات أخرى لمصر غير العروبة كما حدث مع لطفي السيد وسلامة موسى قد أصبحت من الماضي وبقيت مصر متعايشة بحكمة مع جذورها الفرعونية، ومتجذرة في انتمائها إلى العروبة، فعلى أي أساس يدرج الأستاذ سعد مصر ضمن الدول الشمال إفريقية التي تفكر في التنصل من عروبتها ؟ بصفة عامة أعتقد أن المسائل المتعلقة بالهوية في مختلف الدول المغاربية قد قطعت أشواطا مهمة في الطريق الصحيح، وإن كانت لاتزال غير كافية، كما أنني لا أعتقد أن الأمر يتعلق بالرغبة في الانسلاخ عن الانتماء العربي بل بالرغبة في تعزيز البعد الأمازيغي المغاربي، وهذا حق مشروع، وأما أن " فكرة الانسلاخ قد كبرت " فهذه مجرد فرضية أو رؤية شخصية تحتاج إلى أدلة وبراهين، أو بالأحرى إلى دراسات متخصصة، لأن انتماء شعب أو جماعة ما إلى العروبة أو إلى أي قومية أخرى، ليس كانتماء لاعب كرة القدم الذي يستطيع تغيير النادي الذي ينتمي إليه بمجرد تغيير القميص الذي يرتديه. ثم إن العروبة في المنطقة المغاربية هي محصلة قرون من التفاعلات الحضارية والتحولات الثقافية وهو ما ينطبق أيضا على الأمازيغية، لذلك لا أرى كيف يمكن لبعض الأفراد والجماعات أن ينسلخوا من انتماءاتهم ويغيرون ولاءاتهم القومية بمجرد التعثر أمام حواجز التاريخ ومطباته المؤلمة ؟ وإذا افترضنا أن الشمال إفريقيين قد انسلخوا عن العروبة ولبسوا هوية أخرى، فمن يضمن أنهم إذا ما تعرضوا لتحديات معينة أنهم لن ينسلخوا مرة أخرى عن هويتهم الجديدة ليبحثوا عن هوية أو هويات أخرى، فمن ينسلخ مرة سينسلخ مرات أخرى. هذه قوتنا إن العروبة جغرافيا وحضاريا قوة موجودة في قلب العالم وقد تفاعلت عبر القرون مع هويات وحضارات كثيرة وقدمت للإنسانية العلم والقيم ( أنظر كتاب الدكتور فؤاد سيزكين،عن تاريخ العلوم عند العرب في تسع مجلدات،جامعة فرانكفورت بألمانيا) مما جعلها تتموضع في قلب هذا العالم كقومية للقوميات بعيدا عن كل نزعة عصبوية أوعرقية بتعبير المفكر السوداني الراحل محمد أبو القاسم حاج حمد، لذلك تقبل أجدادنا النوميديين العروبة كخيار لوجودهم ومستقبلهم وتعاملوا مع الآخرين باعتبارهم أمازيغ عرب أو عرب أمازيغ، وعليه فالأمازيغية اليوم لا يمكنها أن تبنى على أنقاض العروبة بل بالتفاعل الجدلي الخلاق معها، ومن مثل هذا التفاعل الثقافي سيستمد مغربنا الكبير قوته ويحدد وجهته الصحيحة نحو المستقبل، فمشكلتنا لا تكمن إطلاقا في العروبة أو في الأمازيغية بل في عدم امتلاكنا لمشروع حضاري نعمل على بنائه معا كمغاربيين ومن خلال ذلك نعيد بناء أنفسنا ورد اعتبارنا بين الأمم. وأنا بعد ذلك أستاذ سعد، أوافقك على كل ما أوردته في العنصر الثاني من قولك، ولعلك توافقني الرأي على أن الحوثيين لم يكونوا أذكياء ولاحذرين من الناحية السياسية ولم يحسنوا قراءة الوضع الدولي ولا موازين القوى في المنطقة، لكن هذا لا يبرر أبدا ما تقوم به المملكة العربية السعودية من قصف وتدمير لليمن الشقيق، ولا يفسر لماذا لم تتفق الدول الخليجية من قبل وتعمل على ضم اليمن إلى مجلس التعاون الخليجي وإخراجه من الفقر والصراعات، لتتفق الآن على تدميره بدعوى إنقاذه؟.. ملاحظة: هذا المقال عبارة عن مناقشة وتعقيب على مقال " قول على قول" للأستاذ سعد بوعقبة المنشور يوم 08 سبتمبر بيومية الخبر في الصفحة رقم 24 إطار بمديرية الثقافة لولاية قالمة*