ليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك التعبئة العامّة.. خطوة لا بد منها إذا كانت الخيانة صفة ذميمة منهيًّا عنها فإنّ من أعظم الخيانة خيانة الأوطان لأنها خيانة أمة وبها يفسد حالها ولهذا فإنّ الشريعة الإسلامية أوجبت على كل مسلم أن يشارك إخوانه في دفع أي اعتداء يقع على وطنه أو على أي وطن إسلامي آخر لأن الأمة الإسلامية أمة واحدة. قال الله تعالى: (إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ)[الأنبياء: 92]. قال ابن عاشور رحمه الله: حقيقة الخيانة عمَل مَن اؤتمن على شيء بضدِّ ما اؤتمن لأجله بدون عِلم صاحب الأمانة . وفي العصر الحديث يتم إطلاق مُصطلح (الطابور الخامس) أو (الخيانة العظمى) على الخوَنة وأعوانهم حيث يصِف المصطلح مجموعةً من الناس تتعامل غالبًا مع أعداء داخليِّين أو خارجيين بغرَض التخريب والتضليل وإشاعةِ الفوضى وزعزعةِ أمور البلاد. وصدق من قال: الأوطان لا تموت من ويلات الحروب لكنها تموت من خيانة أبنائها . قال الإمام الذهبي رحمه الله: والخيانة في كل شيء قبيحة وبعضها شرّ من بعض وليس من خانك في فلس كمن خانك في أهلك ومالك وارتكب العظائم. قال -صلى الله عليه وسلم-: لا إيمان لمن لا أمانة له ولا دين لمن لا عهد له . (رواه أحمد 3/135). ولقد أجمعت الأمم على اختلاف عقائدها وتوجهاتها على مقت الخائن لوطنه علماً أن كل فعل مشين يمكن أن يجد الإنسان مبررا لفعله إلا خيانة الوطن فإنّه لا يمكن ان يكون له أي مبرر لأن جريمة خيانته لا تغتفر ولا شفاعة لمرتكبها مهما كانت منزلته سألوا (هتلر) قبل وفاته: من أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتك..؟ قال: أحقر الناس الذين قابلتهم في حياتي هؤلاء الذين ساعدوني على احتلال أوطانهم !. ولقد مثّلوا هذا الذي يخون وطنه ويبيع بلاده بالذي يسرق من مال أبيه ليطعم اللصوص فلا أبوه يسامحه ولا اللص يكافئه.. وصدقوا.. فخيانة هؤلاء لا شك أنها أشد على الأمة من كيد أعدائها وصدق القائل: يُخادعني العدو فلا أبالي * وأبكي حين يخدعني الصديق وإنَّ الخونة والعملاء موجودون في كلِّ الأمم في وقت السلم وتشتدُّ في الحرب ولم يَسلم منهم زمان دون زَمان ولا مكان دون مكان بل لم يَسلم منهم أفضَل زمان بوجود أفضل رجل ورجال زمَن النبي وصحابته الكرام فكيف بمن بعده؟! وما مصادقة مجلس الوزراء برئاسة الرئيس عبد المجيد تبون صادق في اجتماعه على مشروع قانون يتعلق بالتعبئة العامة إلا خطوة لا بد منها كونها تُمكّن الدولة بمختلف مكوناتها من تسخير قدراتها البشرية والمادية والاقتصادية والسياسية لمواجهة حالات استثنائية. وهي تعكس وعيا جزائريا متقدما بأهمية التحصين المسبق وأن الأمن القومي لم يعد يُدار من خلال ردود الفعل بل عبر الهندسة القانونية الوقائية. فبعيداً عن استرجاع الماضي والحديث عن ظاهرة الخيانة التي كلفت قديما وحديثا أوطان المسلمين كثيرا من المآسي والهزائم والويلات فإنّه من الواجب على عقلاء أهل الفكر ونخب المثقفين والدعاة أن يحذروا ويحذّروا ممن يطبخ السم في العسل.. يقنع الناس بالوطنية ثم ينشر الأفكار الهدامة والمشككة لهم في كل شيء.. خائن الوطن هو المعول الذي يستله الأعداء للنيل من الأمة والخنجر المغروس في ظهر المجتمعات ويسعى سعياً دؤوبا للنيل من استقرار وأمن أوطاننا إنه يعيش بيننا بوجهين كطيف نرى أثر ألاعيبه البهلوانية دون أن نرى كينونته.. نسأل اللهَ تعالى أن يحفظنا ويحفظ أوطاننا من كيد الكائدين وتدبيرِ الخائنين إنَّه سبحانه وليُّ ذلك والقادر عليه.