بقلم: محمد عايش من يتابع الصحافة العبرية وما تنشره عن الحرب في غزة يُدرك حجم الإنهاك الكبير الذي يعاني منه الجيش والمجتمع الإسرائيليين فيما تتزايد يومياً الأصوات المنادية بوقف هذه الحرب ليس رأفة بالفلسطينيين الذين يواجهون حرب الإبادة اليومية وإنما لأن تكاليف هذه الحرب لم تعد محتملة وهذه التكاليف لم تعد تتوقف عند الأسرى الإسرائيليين الذين يفقدون الأمل تباعاً بالخروج سالمين من هذه المعركة. ما تكتبه الصحافة العبرية يومياً عن الاستنزاف الذي يتم في هذه الحرب وعن تكاليفها وخسائرها هو غيض من فيض فقط ذلك لأن الرقابة العسكرية تمنع الإعلام الإسرائيلي من الكتابة والإفصاح عن كل شيء كما أن الجيش ووزارة الحرب ودوائر الحكومة الإسرائيلية يتعمدون التكتم على ما يجري خاصة في ما يتعلق بجانب الخسائر التي يتكبدونها وهذا ما يُفسر أيضاً لماذا تمنع إسرائيل الصحافيين الأجانب من الوصول إلى غزة أو الضفة الغربية أو أي جزء من الأراضي الفلسطينية منذ أكثر من 20 شهراً فضلاً عن أن أجهزة الأمن الإسرائيلية داهمت قبل أسابيع فندقاً في حيفا كان يقيم فيه صحافيون أجانب يعملون لحساب وكالات أنباء خارجية وهو ما يعني أن الاسرائيليين يطوقون نشر المعلومات وتداول الأخبار من المواقع كافة وعلى كل المستويات. *هذه الحرب في أسوأ أحوالها جريدة معاريف العبرية نقلت في أحدث تقاريرها عن جيش الاحتلال اعترافه لأول مرة بأن استنزاف قواته كبير كما اعترف الجيش بأن قواته قليلة ومحدودة إذا ما قورنت بالمهام الموكلة لها وهو ما يعني أن قطاع غزة الذي يُشكل 1 فقط من مساحة الأرض الواقعة بين البحر والنهر تمكن من استنزاف وإنهاك الجيش الذي يعتبر نفسه قوة لا تُقهر فكيف لو توسع هذا الاستنزاف إلى الضفة الغربية واشتعلت جبهاتٌ أخرى موازية لهذه الحرب؟ وحسب تقرير معاريف الذي يستند إلى معلومات استقاها من مصادر رسمية في الجيش الإسرائيلي فإن القوات تعاني من نقص يبلغ نحو 7500 مقاتل و2500 آخرين من أفراد الدعم القتالي كما كشف التقرير أن الجيش يعاني حالياً من نقص كبير في الصف الأول القيادي حيث يحتاج إلى 300 ضابط في مناصب قيادية ضمن التشكيل القتالي للجيش البري كما تتمثل الأزمة الأكبر في سلاح الهندسة القتالية حيث يعاني من نقص حاد في قادة الفصائل وقادة الفرق. وأكد التقرير أن الجيش يُقرّ بصعوبة إقناع الجنود الأكفاء بالالتحاق بدورة الضباط ولسد هذه الفجوة عُيّن رقباء قدامى في مناصب قادة فصائل بالإنابة ومن أوجه القصور الأخرى نقصُ الكوادر في مناصب قادة السرايا . هذه المعلومات وغيرها مما اتضح وشوهد منذ السابع من أكتوبر 2023 تؤكد أن أسطورة الجيش الذي لا يُقهر قد انهارت وأن إسرائيل ليست كما كانت تروج لنفسها وكما كانت الأنظمة العربية تروج لها بأنها الشبح الذي لا يُقهر وأنها القوة التي لا يُمكن التصدي لها ولا مجابهتها. ثمة نفرٌ قليل في غزة يواجهون إسرائيل بمفردهم منذ 20 شهراً ولم يستسلموا بينما في نكسة عام 1967 انهارت ثلاثة جيوش عربية في ستة أيام فقط وهذه مفارقة ينبغي على علماء السياسة والتاريخ والاجتماع أن يدرسوها بل في نكبة عام 1948 عندما لم تكن إسرائيل قد تأسست وكانت مجرد حلم في أذهان الحركة الصهيونية انهارت سبعة جيوش عربية أمامها وتُرك الفلسطينيون منذ ذلك التاريخ يواجهون حرب الإبادة البطيئة التي تسارعت وتيرتها فقط منذ عامين. الخلاصة التي نستطيع الوصول إليها هي أن إسرائيل نجحت في آلة الدعاية فقط والعرب سقطوا في مستنقع الخوف فقط وما يجري الآن في غزة يُعيد صياغة المنطقة بكل تأكيد بما في ذلك إعادة تعريف القوة الإسرائيلية وكشف زيف الدعاية التي كان يتم ترويجها طيلة العقود الماضية وربما هذه الحقيقة هي أكثر ما يُغضب نتنياهو ويدفعه إلى هذه الحرب المجنونة التي تحاول استعادة السُمعة وأسطورة القوة التي تم تبديدها ومن المؤكد أن نتنياهو لو كان يعلم بأن غزة ستصمد لأكثر من 20 شهراً لما قرر خوض هذه الحرب في يومها الأول إذ في الأيام الأولى قال بلسانه إن هذه الحرب في أسوأ أحوالها قد تستمر لستة أشهر.