السلطة العليا للشفافية تؤكد أهمية الرقمنة لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد    افتتاح المعهد الإفريقي للتكوين المهني ببومرداس لتعزيز التعاون البيني-الإفريقي    وزير البريد يعرض مشروع قانون جديد لتنظيم خدمات الثقة والتعريف الإلكتروني أمام نواب البرلمان    توقيع بيان لتعزيز الاستخدامات السلمية للطاقة النووية بين الجزائر والوكالة الدولية للطاقة الذرية    الجزائر تؤكد التزامها بحرية ممارسة الشعائر الدينية وحماية أماكن العبادة    كأس العرب فيفا قطر 2025 / الجزائر- العراق:"الخضر" على بعد نقطة واحدة من الدور ربع النهائي    كأس العرب 2025 : بوقرة يحذر من أمر مهم قبل مواجهة العراق    كأس العرب/فيفا 2025/:بولبينة وبركان ضمن التشكيلة المثالية للجولة الثانية    وزير الصحة يطلق الدليل الوطني للشبكة الوطنية لتكفل المرأة الحامل    المندوبية الوطنية للأمن عبر الطرق تحذّر من ارتفاع خطير في حوادث المرور بالجزائر خلال 2025    وزير الشؤون الدينية ووالي ولاية الجزائر يعاينان مشاريع ترميم معالم دينية وتاريخية بالعاصمة    انتخاب الجزائر نائبًا لرئيس اللجنة الدائمة لحقوق المؤلف بالويبو للفترة 2026-2027    بن دودة تؤكد على أهمية رقمنة المخطوطات وتعلن:التحضير لملتقى وطني ضخم حول المخطوط    فعالية يوم الجالية تُبرز دور الجزائريين بالخارج في دعم قطاع الشركات الناشئة    الإيمان بنظرية المؤامرة وقايةٌ من الصدمات    بلمهدي يشرف على اجتماع لمتابعة الرقمنة بقطاع الأوقاف    تباحثنا حول آفاق تعزيز التعاون بين الطرفين و تبادل الخبرات    ام البواقي : وفاة شخصين اختناقا بالغاز في عين البيضاء    إصابة 13 شخصا بجروح مختلفة بالمدية    خنشلة: حملة تحسيسية خلال الفترة الشتوية    فتح الترشح لاقتناء سكنات ترقوي مدعم (LPA)    سفارة النمسا في الجزائر توجه رسالة مؤثرة للجماهير الرياضية    ثورة التحرير الجزائرية تشكل نموذجا ملهما لحركات التحرر    المسؤولية بين التكليف والتشريف..؟!    بوغالي يشارك في افتتاح أشغال منتدى الدوحة    الفرقاني.. 9 سنوات من الغياب    المفتاح تمثّل الجزائر    منحة السفر تُصرف مرّة سنوياً    ناصري وبوغالي يعزّيان    فتح تحقيق في أسباب حادث بني عباس    الوزراء الأفارقة يشيدون بدور الرئيس تبون في دعم الابتكار    علاقتنا بالجزائر ممتازة.. وأشكر للرئيس تكرمه باستقبالي    "حماس" تحذر من التفاف الاحتلال الصهيوني على بنود الاتفاق    الرئيس الصحراوي يؤكد مواصلة النضال دون هوادة    وزير المجاهدين يكرّم المجاهدة الرمز جميلة بوحيرد    نظام أجور خاص لحماية القضاة من الإغراء والتأثير    مواجهة العراق نهائي قبل الأوان    جائزة جديدة لمازة في ألمانيا    برنامج ماراطوني ل"الخضر" في كأس العالم 2026    محطة متنقلة لمعالجة المياه الملوّثة بسكيكدة    مخطط استعجالي لإصلاح قطاع النقل والخدمات بعلي منجلي    تخصيص 10 هكتارات لتوسيع مقبرة الزفزاف    الكتابة مرآة المجتمع وسؤال المرحلة    مبادرات تضامنية لحماية الأشخاص دون مأوى    إجراء قرعة حصّة 2000 دفتر حج    أقرها رئيس الجمهورية.. إجراء عملية القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حج إضافية    جوع قاتل في السودان    بيتكوفيتش: بإمكاننا بلوغ الدور الثاني    صور من الحب والإيثار بين المهاجرين والأنصار    أفضل ما تدعو به لإزالة الألم والوجع وطلب الشفاء    المعروض على العرب: انتحروا... أو نقتلكم    مرحلة الانتظار الثقيل    إجراء القرعة الخاصة بحصة 2000 دفتر حجّ إضافية    "في ملاقاة أناييس".. رحلة البحث عن الأصول    المواطنون الحائزون على طائرات "الدرون" ملزمون بالتصريح بها    قرعة الحجّ الثانية اليوم    فضائل قول سبحان الله والحمد لله    ما أهمية تربية الأطفال على القرآن؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



يروي الدكتور محمد العريفي هذه الواقعة!

لم يكن أبو عبدالله يختلف كثيراً عن بقية أصدقائي.. لكنه - والله يشهد - من أحرصهم على الخير.. له عدة نشاطات دعوية، من أبرزها ما يقوم به أثناء عمله.. فهو يعمل مترجما في معهد الصم البكم..
اتصل بي يوما وقال: ما رأيك أن أحضر إلى مسجدك اثنين من منسوبي معهد الصم لإلقاء كلمة على المصلين؟!
تعجبت! وقلت: صم يلقون كلمة على ناطقين؟
قال: نعم.. وليكن محيؤنا يوم الأحد.
انتظرت يوم الأحد بفارغ الصبر.. وجاء الموعد..
وقفت عند باب المسجد أنتظر.. فإذا بأبي عبد الله يقبل بسيارته..
وقف قريباً من الباب.. نزل ومعه رجلان.. أحدهما كان يمشي بجانبه.. والثاني قد أمسكه أبو عبد الله يقوده بيده.
نظرت إلى الأول فإذا هو أصم أبكم.. لا يسمع ولا يتكلم.. لكنه يرى.. والثاني أصم.. أبكم.. أعمى.. لا يسمع ولا يتكلم ولا يرى..
مددت يدي وصافحت أبا عبد الله..
كان الذي عن يمينه - وعلمت بعدها أن اسمه أحمد - ينظر إليّ مبتسماً.. فمددت يدي إليه مصافحاً..
فقال لي أبو عبد الله - وأشار إلى الأعمى: سلم أيضاً على فايز..
قلت: السلام عليكم.. فايز..
فقال أبو عبد الله: أمسك يده.. هو لا يسمعك ولا يراك..
جعلت يدي في يده.. فشدني وهز يدي..
دخل الجميع المسجد.. وبعد الصلاة جلس أبو عبد الله على الكرسي وعن يمينه أحمد.. وعن يساره فايز..
كان الناس ينظرون مندهشين.. لم يتعودوا أن يجلس على كرسي المحاضرات أصم..
التفت أبو عبد الله إلى أحمد وأشار إليه.. فبدأ أحمد يشير بيديه.. والناس ينظرون.. لم يفهموا شيئاً..
فأشرت إلى أبي عبد الله.. فاقترب إلى مكبر الصوت وقال: أحمد يحكي لكم قصة هدايته.. ويقول لكم: ولدت أصم، ونشأت في جدة، وكان أهلي يهملونني ولا يلتفتون إليّ.. كنت أرى الناس يذهبون إلى المسجد ولا أدري لماذا! أرى أبي أحياناً يفرش سجادته ويركع ويسجد، ولا أدري ماذا يفعل.. وإذا سألت أهلي عن شيء، احتقروني ولم يجيبوني..
ثم سكت أبو عبد الله والتفت إلى أحمد وأشار إليه.
فواصل أحمد حديثه.. وأخذ يشير بيديه.. ثم تغير وجهه.. وكأنه تأثر.. خفض أبو عبد الله رأسه.. ثم بكى أحمد.. وأجهش بالبكاء..
تأثر كثير من الناس.. لا يدرون لماذا يبكي.. واصل حديثه وإشاراته بتأثر.. ثم توقف.
فقال أبو عبد الله: أحمد يحكي لكم الآن فترة التحول في حياته، وكيف أنه عرف الله والصلاة بسبب شخص في الشارع عطف عليه وعلمه.. وكيف أنه لما بدأ يصلي شعر بقدر قربه من الله.. وتخيل الأجر العظيم لبلائه.. وكيف أنه ذاق حلاوة الإيمان..
ومضى أبو عبد الله يحكي لنا بقية قصة أحمد..
كان أكثر الناس مشدوداً متأثراً.. لكنني كنت منشغلاً.. أنظر إلى أحمد تارة.. وإلى فايز تارة أخرى.. وأقول في نفسي.. هاهو أحمد يرى ويعرف لغة الإشارة.. وأبو عبد الله يتفاهم معه بالإشارة.. ترى كيف سيتفاهم مع فايز وهو لا يرى ولا يسمع ولا يتكلم؟!
انتهى أحمد من كلمته.. ومضى يمسح بقايا دموعه..
التفت أبو عبد الله إلى فايز..
قلت في نفسي: هه؟ ماذا سيفعل ؟!
ضرب أبو عبد الله بأصابعه على ركبة فايز.. فانطلق فايز كالسهم.. وألقى كلمة مؤثرة.. تدري كيف ألقاها؟
بالكلام ؟ كلا.. فهو أبكم.. لا يتكلم..
بالإشارة؟ كلا.. فهو أعمى.. لم يتعلم لغة الإشارة..
ألقى الكلمة ب(اللمس).. نعم باللمس.. يجعل أبو عبد الله (المترجم) يده بين يدي فايز.. فيلمسه فايز لمسات معينة.. يفهم منها المترجم مراده.. ثم يمضي يحكي لنا ما فهمه من فايز.. وقد يستغرق ذلك ربع ساعة..
وفايز ساكن هادئ لا يدري هل انتهى المترجم أم لا.. لأنه لا يسمع ولا يرى..
فإذا انتهى المترجم من كلامه.. ضرب ركبة فايز.. فيمد فايز يديه.. فيضع المترجم يده بين يديه.. ثم يلمسه فايز لمسات أخر..
ظل الناس يتنقلون بأعينهم بين فايز والمترجم.. بين عجب تارة.. وإعجاب أخرى.. وجعل فايز يحث الناس على التوبة.. كان أحياناً يمسك أذنيه.. وأحياناً لسانه.. وأحياناً يضع كفيه على عينيه.. فإذا هو يأمر الناس بحفظ الأسماع والأبصار عن الحرام..
كنت أنظر إلى الناس.. فأرى بعضهم يتمتم: سبحان الله.. وبعضهم يهمس إلى الذي بجانبه.. وبعضهم يتابع بشغف.. وبعضهم يبكي..
أما أنا فقد ذهبت بعيداً.. بعيدا جدا.. أخذت أقارن بين قدراته وقدراتهم.. ثم أقارن بين خدمته للدين وخدمتهم.. الهم الذي يحمله رجل أعمى أصم أبكم.. لعله يعدل الهم الذي يحمله هؤلاء جميعاً..
والناس ألف منهم كواحد وواحد كالألف إن أمر عنا
رجل محدود القدرات.. لكنه يحترق في سبيل خدمة هذا الدين.. يشعر أنه جندي من جنود الإسلام.. مسؤول عن كل عاص ومقصر.. كان يحرك يديه بحرقة.. وكأنه يقول يا تارك الصلاة إلى متى؟! يا مطلق البصر في الحرام إلى متى؟! يا واقعاً في الفواحش! يا آكلاً للحرام! بل يا واقعاً في الشرك! كلكم إلى متى.. أما يكفي حرب الأعداء لديننا.. فتحاربونه أنتم أيضاً؟!
كان المسكين يتلون وجهه ويعتصر ليستطيع إخراج ما في صدره..
تأثر الناس كثيراً.. لم ألتفت إليهم.. لكني سمعت بكاءً وتسبيحات..
انتهى فايز من كلمته.. وقام.. يمسك أبو عبد الله بيده..
تزاحم الناس عليه يسلمون..
أخذ أبو عبد الله بيد فايز.. ومضى به خارجاً من المسجد..
أخذت أمشي بجانبهما.. وهما متوجهان للسيارة..
والمترجم وفايز يتمازحان في سعادة غامرة..
آآآه ما أحقر الدنيا.. كم من أحد لم يصب بربع مصابك يا فايز ولم يستطع أن ينتصر على الضيق والحزن..
ما أجمل أن يبتلي الله عبده ثم ينظر إلى قلبه فيراه شاكراً راضياً محتسباً..
هذه كانت قصة واقعية من كتاب "قصص العريفي الواقعية".. قرأتها فتأثرت بها، وأدركت كم نحن مقصرون في الدعوة إلى الله، وحمل هم دينه، والخوف على عباده من النار، والبحث عن نجاتهم منها، وقد أعطانا الله كل الأسباب وأعاننا بكل الوسائل والنعم.. وكيف أن فايز لم يدع لنا عذرا بقيامه بواجب الدعوة والبحث عن طوق نجاة للعباد، وقد كان الأولى أن يبحثوا عن طوق نجاته.. ولكنها الهمم
وإذا كانت النفوس كبارا.... تعبت في مرادها الأجسام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.