أبدت أوساط يونانية شعبية ورسمية قلقها من تصريحات مسؤولين أتراك بشأن إعادة تشغيل أيا صوفيا مسجدا إسلاميا كما كان حتى عام 1934، واصفة الخطوة بأنها (إهانة لمشاعر الملايين من المسيحيين) بالتزامن مع بدئها حملة لجمع التوقيعات بهدف إيقاف الخطوة التركية المرتقبة. وكان نائب رئيس الحكومة التركية بولنت أرينج تحدث الشهر الماضي بشأن إعادة تشغيل أيا صوفيا كمسجد إسلامي كما كان حتى عام 1934. وفي السياق ذاته، نشرت مجلة أكاديمية تركية بحثا للمؤرخ التركي يوسف هالاجوغلو واثنين من زملائه قالوا فيه إنه لا يمكن استمرار فتح أيا صوفيا كمتحف، لأن تحويلها إلى متحف عام 1934 تم بطريقة غير شرعية، وذلك من خلال تزوير توقيع مصطفى كمال أتاتورك حول الموضوع. أرينج لم يكن المسؤول التركي الوحيد الذي أعرب عن رغبته بافتتاح أيا صوفيا من جديد كمسجد، فقد سبق ذلك تصريحات لمسؤولين أتراك آخرين، إضافة إلى مطالبات من جمعيات ومؤسسات تركية تسير في الاتجاه نفسه. وفي تعليقه على الموضوع، قال ممثل الخارجية اليونانية كوستاندينوس كوتراس في مؤتمر صحفي إن تصريحات المسؤولين الأتراك عن تحويل معابد مسيحية بيزنطية إلى مساجد تشكل إهانة لمشاعر الملايين من المسيحيين، وهي تصرفات غير مفهومة ورجعية من دولة تسعى لتصبح عضوا كامل العضوية في الاتحاد الأوروبي الذي يشكل احترام الحرية الدينية أحد أهم مبادئه. الجالية اليونانية في الولاياتالمتحدة الأميركية دخلت هي الأخرى على الخط، وبدأت حملة دولية لجمع التوقيعات بهدف منع تحقيق هذا المطلب، وتم تسليم تلك التوقيعات إلى اليونيسكو التي أعلنت عام 1985 أيا صوفيا واحدة من مواقع التراث العالمية. وكان محمد الفاتح حوّل أيا صوفيا إلى مسجد عام 1453 ثم تم تحويله عام 1934 إلى متحف بقرار من أتاتورك في إطار حملته لإكساب تركيا طابعا علمانيا، وانتزاعها من ماضيها الإسلامي. صحيفة كاثيميريني اليونانية علقت على تصريحات أورينج، وقالت إن (المسألة جدية)، حيث إن إعادة تحويل الكنائس البيزنطية من متاحف إلى مساجد أخذ أبعادا بعد عام 2010. وأضافت الصحيفة أن عام 2014 سيشهد انتخابات في تركيا التي تشعر بأزمة بعد عشر سنوات من الرفاهية، ولهذا فإن إعادة تشغيل أيا صوفيا كمسجد ستكون له رمزية كبيرة لدى الشرائح التركية المتدينة، لكنه سيصدم الشرائح العلمانية. من جهته، رأى الباحث في منظمة البحوث الإستراتيجية الدولية في أنقرة علي باكير أن الأمر غير مستبعد، (وقد طرح عدة مرات)، لافتا إلى أن ربط هذه التصريحات بالمعطيات الحالية داخل تركيا يشير إلى أنه قد يكون مرتبطا بالاستحقاقات الانتخابية القادمة، على اعتبار أن مثل هذا الطرح سيلاقي تأييدا كبيرا من قبل الشريحة المحافظة. وقال باكير إن الخطوة إن تم إقرارها فإنها ستواجه بمعارضة الشرائح العلمانية واليسارية المتطرفة، إذ تعتبرها خطوة باتجاه ما تسميه (أسلمة الدولة)، وهو مصطلح يستخدم لانتقاد توجهات الحكومة، وقد سبق استخدامه في إطار الاستقطاب الحاد الذي جرى خلال السنوات الأخيرة، وتجلى بشكل واضح في تظاهرات (جيزي بارك). واعتبر أن المسألة لا علاقة لأي طرف خارجي بها، ومن الطبيعي أن تعتبر الحكومة أن أي احتجاجات خارجية تعد تدخلا غير مقبول، لاسيما أن أيا صوفيا ظل مسجدا حتى العام 1935. وتابع أن الحكومة اليونانية دأبت على انتقاد الحكومة التركية كلما أثارت الأخيرة الموضوع، لكن أنقرة تعتبر أن اليونان ليست أهلا للتعليق على الحريات الدينية، خاصة أن أثينا من العواصم القليلة في العالم التي لا تسمح ببناء مسجد فيها. ثوماس تساتسيس أحد مؤسسي موقع (بلقاني) للتواصل الثقافي رأى في الجدل الدائر (أمرا مبالغا فيه)، لأن (أيا صوفيا معلم أثري عالمي ورمز للإمبراطورية البيزنطية)، مضيفا أنه إن كان البعض في تركيا يعتبر أنها يمكن أن تعود مسجدا من جديد فهم (يشككون في تاريخ القسطنطينية وإسطنبول). واعتبر تساتسيس أنه من الأفضل ألا يتأثر المواطنون الأتراك واليونانيون بتصريحات شخصيات قومية أو دينية تؤثر سلبا فيهم، وأن يبحث الجميع عما يوحدهم لا عما يفرقهم ويسمم علاقاتهم. وقال إن البعض يظن أنه يثير الاهتمام بهذه التصريحات، فيما يظن البعض أنهم يستحوذون على المواطنين أو المتدينين منهم، مضيفا أنه من حسن الحظ أن وتيرة هذه التصريحات أصبحت أخف بكثير من السابق.