شريعة، شرعية، فمشروعية، إذا ثبت أنك تؤمن بمذهب ما، بدين ما، بقومية ما، بنظام مؤسساتي ما، فإنك ذو شريعة، ومن بين من يثبتون شريعتهم هي الجيوش الوطنية الأصيلة المتأصلة التي تعيش الحياد، ولا تعرف الانحياز إلا لحماية البلاد وحماية المواطنين، دون أن يكون الجيش المتحدث عنه مجرد وسيلة ردع في يد السلطة تسلطه على من تريد وتشاء، أو أنه ينحاز إلى تلك اليد بالوقوف إلى جانبها. إنما يكون انحيازه إلى الشرعية يدافع عنها ويحميها باعتباره حامي الحمى، إذا ما كانت مكتسبة عن طريق ديمقراطي كان قد كرسه القانون، وأصبح بذلك قاسما مشتركا بين جميع المواطنين، بمختلف توجهاتهم ومذاهبهم ونحلهم العرقية والسياسية والإيديولوجية والدينية. وصاحب الشريعة الواقف عليها يكون عادة هو المصدر بمعنى أنه المرجع الذي يحتكم إليه عند النزاع غير المحمود الذي يخرج عن جادة الصواب، والذي تكون نتائجه وخيمة عادة على الوطن ووحدة ترابه أو على مصالح المواطنين ووحدة الشعب.فجيش ذو شريعة لا يمكن أن يتحول إلى عصابات أو ميليشيات أو جماعات إرهابية أو لصوصية، وما إلى ذلك مما يشوه صورة المؤسسة العسكرية عند المواطنين أو يحط من شأنها في نظرهم إلى درجة التشكيك في مصداقيتها وفعاليتها وفقدان الثقة في أدائها لما هو مخول لها في الأساس من مهام وطنية مقدسة تعلو عن المصالح والمآرب التي لا تخدم الجماعة الوطنية ولا الإجماع الوطني. لست عسكريا وما جربت العسكرة يوما، لكن إيماني راسخ وتجارب العالم في السلم وفي الحرب ماثلة أمام أعيننا وتشهد أنه في نهاية المطاف لا حل إلا من خلال هذه المؤسسة التي لها من التماسك ما يميزها عن غيرها من المؤسسات وأن قوتها تتمثل في التفافها حول قرارها وتنفيذ وحدة كلمتها وتصرفاتها، تلكم هي جملة من العناصر التي تكتسب بها شريعتها التي تبقى عليها وإن اختلفت السياسات وتغيرت الايديولوجيات وتحولت الأنظمة من تعريف إلى آخر ومن وصف وتسمية إلى غير ذلك، مما يرسخ ديمومة شريعتها التي هي عليها وتمتثل لأحكامها جملة وتفصيلا. أما صاحب الشرعية فإنه يكتسبها بوسائل مختلفة تكون الجماعة الوطنية قد أقرتها وحددت معالمها ورسمت خرائطها ضمن ميثاق مكتوب أو متبع باتفاق قد تكون الشرعية وراثية يتداول عليها الأبناء خلفا للآباء والأجداد، وقد يتناوب الناس على تدويرها فيما بينهم من خلال العهد المبرم بينهم. فحينما تكتسب الشرعية بإحدى الطرق القانونية المرسومة لها تصبح ذات أحقية على الناس جميعا أن يلتزموا بنواميسها ويسهروا كلهم على تطبيق قواعدها وبنودها، بل يحرصوا كل الحرص أن يكون التطبيق سليما لا شائبة فيه. الشرعية التي تأتي على هذا النحو من الاتفاق كإيجاد دستور يكون بمثابة شاهد العيان الموثوق فيه من الكل وليس من البعض دون البعض، هي الشرعية التي تقوم الشريعة بحمايتها، إلا إذا ثبت أن من نال الشرعية قد حاد عنها أو تمرد أو انسلخ عن معاهداتها وأبعاد منطلقاتها، عندها تنحاز الشريعة إلى الشرعية فتنقذها من مخالب وأنياب من اكتسبها فحول مجراها أو أراد ذلك. فالشرعي بدل ذلك وإذا ما أراد أن يكون في مأمن من خصومه ومعارضيه، ويجعل من الشريعة عونا له وحصنا حصينا يلوذ إليها وقت الشدة، وإذا ما وقع عليه ظلم وحيف وجور فتصونه وتحميه من كل العوامل المؤدية إلى إلغائه، وذلك ليس حفاظا عليه ورعاية له، إنما حفاظا على الشرعية ورعاية لها كونها سداد الأمان ومرفأ النجاة لأي جماعة وأن تعددت مشاربها وتنوعت مناهلها أو اختلفت فيما بينها.أما المشروعية فإنها في حكم سلوكات وتصرفات ذلك الشرعي الذي عليه أن يعمل على إقناع الناس بأدائه العادل وإنصافه إلى شرعيته، التي حظي بها دون سواه أنه يؤكد مشروعية شرعيته، بالعمل على احترام مبادئها وقيمتها وتعهداتها التي كان قد آمن بها وآل على نفسه تطبيقا والسعي دوما وفي إطار حدودها على تسيير الشؤون وتدبير الأمور.فالشريعة بأسسها وقواعدها وأحكامها حاضنة للشرعية وحامية لها، إذا أثبتت هذه الأخيرة مدى مشروعيتها من خلال الإتيان على تطبيق نواميسها وعهودها في أرض الواقع، ذلك هو حال الجيش المصري الذي أعتقد أنه يكون عليه مع الرئيس محمد مرسي... !؟