إذا كان تجديد الحياة في الجزائر هو المطلب رقم واحد الذي لا غنى عنه ولا مهرب منه، من منطلق أننا في عصر انفجار العلوم والتكنولوجيا والاتصالات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وهذا لضمان وضع بلادنا في المكان المناسب على خريطة العالم الجديد، فإن من أولويات المرحلة بالنسبة لحزب جبهة التحرير الوطني، خوض معركة التجديد والتغيير، ليكون جاهزا ومستعدا للتعامل مع المستجدات بالعقلية والأسلوب والقدرات اللازمة. عملية التجديد هذه، يجب أن تحتل قمة الضرورات، خلال المؤتمر العاشر، وهذا انطلاقا من أن التغيير في حد ذاته ضرورة إنسانية، إذ يعطي شعورا بالتجدد والحيوية وينعش القدرة والرغبة في العطاء. إن التجديد سنة الحياة، وهو مطلوب في كل وقت، ولكنه مطلوب اليوم أكثر، مع مرحلة سياسية جديدة، تقتضي من حزب جبهة التحرير الوطني، ليس فقط أن يواكبها ويرافقها بل أيضا أن يسبقها لتأكيد ريادته السياسية والبرهان عمليا على قدرته على التأثير في الأحداث، باعتباره قوة اقتراح وبناء وتغيير. لا بد من تجديد آليات العمل السياسي وفتح مجالات وفرص لإبراز الكفاءات والطاقات، والسعي إلى بلورة رؤية مستقبلية، ترتكز أساسا على القدرة في طرح أفكار جديدة، تستجيب لأسئلة وانشغالات المجتمع. لقد تغير المجتمع الجزائري وسيظل يتغير، ولا يمكن لحزب جبهة التحرير الوطني إلا أن يواكب هذه التحولات، ذلك أن كل حركة سياسية لا تجري تحولات داخلها ولا تطور أدواتها لتتلاءم مع المتغيرات، محكوم عليها بالسقوط، فمن لا يتغير يجرفه التغيير. هل يستطيع حزب جبهة التحرير الوطني أن يفعل غير ذلك، وهل يعتقل روح التغيير التي تسرى في أركانه؟ إن المقياس الحقيقي لحيوية أي تشكيلة سياسية هو قدرتها على تجديد نفسها وتحقيق التواصل الآمن بين الأجيال لضمان انتقال الخبرة والاطمئنان على توافر القدرة لملاحقة المستجدات على الساحة السياسية، ومن هنا تأتي أهمية تفريخ وتأهيل القيادات، من خلال منظومة عمل توائم بين الاستمرار بعناصر الخبرة والتجديد بالطاقات الجديدة. هنا ينبغي التوضيح أن التغيير ليس هدفا في حد ذاته، ولا يعني استبدال فلان بفلان، بل يعني إعطاء جبهة التحرير الوطني صورة الحزب المتجدد في خطابه وطرائق عمله وتعاطيه للفعل السياسي وكذا في قدرته على التكيف بإيجابية مع المستجدات ومواكبة الأحداث بمواقف واضحة، نابعة من قناعاته ومنسجمة مع مبادئه. لا يمكن أن يدخل حزب جبهة التحرير الوطني المرحلة الجديدة إلا بالأفكار والأساليب والآليات التي تناسبها، وذلك كله يدعو إلى الاهتمام بالأساسيات وعدم تضييع الوقت في المهاترات والصراعات العبثية والسجالات الهدامة. ينبغي أن تنصرف كل الجهود في اتجاه عقد مؤتمر ناجح، يحصن حزب جبهة التحرير الوطني ضد زالهزاتز الداخلية، يؤمن مسيرته المستقبلية ويوفر شروط الانتصار الدائم لمصلحة الحزب على الأهواء الذاتية والمصالح الشخصية. ومن المصلحة العامة أن ينشغل الجميع بهذه الرهانات الكبرى، من خلال الاعتماد على الفكر والإبداع والجهد النضالي الصادق والمخلص، عوض استنزاف القوى في احتراب داخلي، يزعزع استقرار الحزب، يضر ولا ينفع في كل الأحوال، وفوق هذا وذاك يجعل خصوم الحزب هم المستفيدون دون أن يبذلوا أي جهد، لأن مهمة »الإضعاف«، للأسف الشديد، يضطلع بها »أهل الدار« من الداخل