كل الدلائل والمؤشرات تؤكد أن العاصمة لن تتخلص من مشكل الإختناق المروري، وأن كل الإجراءات الصارمة التي كانت مصالح الأمن قد أعلنت عنها والتي تتعلق أساسا بمنع التوقف العشوائي للسيارات الذي يتسبب في عرقلة حركة المرور، لم يتم تطبيقها، فمنذ بداية الدخول الإجتماعي، ومستعملي الطريق في معاناة حقيقية مع ازدحام الطرقات بشكل لايطاق. أصبح المواطنون، من طلبة وموظفون وغيرهم من القاطنين بالعاصمة، خاصة الناحية الغربية منها مجبرين على قضاء ما بين ساعة إلى ساعتين ونصف كل صباح، قبل الإلتحاق بأماكن عملهم والمصالح التي يودون الوصول اليها، لاسيما وأن معظم المؤسسات الاقتصادية والمصالح الإدارية والوزارات والسفارات الأجنبية والجامعات متمركزة بالعاصمة، في ظل غياب أية وسائل نقل أخرى حديثة بديلة، كالميترو والترامواي ، أو القطارات . ساعتان من الزمن ..تلك هي المدة التي استغرقناها على متن حافلتين للوصول إلى البريد المركزي، استقلنا الأولى من محطة حي عدل 1829 مسكن بالسبالة العاشور، غرب العاصمة إلى بن عكنون ورغم أن المسافة التي تربط بين العاشور والبريد المركزي لا تزيد عن 11 كلم، إلا أن اختناق الطرقات بسبب ازدحام حركة المرور، خاصة على مستوى الخط الرابط بين منطقة واد الرمان وعين الله و نقاط سوداء أخرى عند مدخل بن عكنون ووسطه وكذا الأمر بالنسبة لحي الأبيارالذي توجد به أكثر من نقطة سوداء، جعل الوصول في مدة تقل عن ساعتين ونصف إلى الجزائر الوسطى أمر مستحيل وحلم بعيد المنال وذلك طيلة أيام الأسبوع عدا يوم الجمعة. تذمر واستياء على طول الخط مرت خمس دقائق، فعشرة أخرى، ربع ساعة من الانتظار وأخيرا بعد 25 دقيقة وصلت حافلة النقل باتجاه محطة بن عكنون، الكل مستعد ومتأهب، فعلى الجميع أن يتهيأ لخوض معركة »التطباع« كما يقال بالعامية، ولم يكن ولو مقعد واحد شاغر في الحافلة، وهناك بعض الركاب الواقفين، لأن السبالة ليست المحطة الأولى للحافلات، فمنها تلك القادمة من تيقصراين ومنها ماهو قادم من السحاولة، اندفع الناس صوب الأبواب والكل يأمل في الصعود، انطلقت بنا أخيرا وانطلقت الحافلة باتجاه محطة بن عكنون، كانت السيارات تتحرك ببطئ شديد، هناك من اضطر الى توقيف محرك السيارة، خاصة عندما وصلت الحافلة إلى النقطة السوداء المعروفة بحي واد الرمان بدأ الاختناق في حركة المرور بشكل يصعب وصفه وهنا بدأت أحاديث الركاب عن مشكل ازدحام حركة المرور بالعاصمة، لتنطلق التعاليق هنا وهناك »العاصمة تختنق «، هذا أمر طبيعي ونتيجة حتمية لسوء التخطيط قال أحد الركاب ليواصل قائلا:» كل الإدارات والوزارات تتمركز بالعاصمة، 48 ولاية في ولاية واحدة، كيف يمكن أن تستوعب الطرقات كل تلك الحشود من مستعملي الطرق ؟« قبل أن يقاطعه مواطن آخر بقوله »عمليات ترحيل واسعة، أحياء جديدة تم خلقها بغرب العاصمة دون التفكير في توسيع الطرقات« ، حينها انطلق الركاب في مناقشة مشكل وضعية الطرقات التي تعرف تدهورا كبيرا بأحياء السبالة والعاشور وواد الرمان، والتي تملأها الحفر العميقة، التي تتسبب في بطىء حركة السير وازدحامها.. أحد الركاب قال في تذمر، في إشارة منه إلى مشكل الحفر الذي يملأ الطرقات ، والذي يتسبب في عرقلة حركة المرور ، ليس فقط على مستوى السبالة والعاشور بل بعدة مناطق أخرى »الأميار يعرفوا الشعب، إلا حين يقترب موعد الانتخابات، حتى مشكل الحفر لم يجدوا له حلا،. ساعة كاملة مرت على هذه الأحاديث التي لا تنتهي فلم يترك بعض الركاب موضوعا إلا وتناولوه بالنقاش، فيما اكتفى آخرون بالاستماع إلى كل ما يقال دون المشاركة في النقاش. أخيرا وصلنا إلى محطة بن عكنون، بعد رحلة شاقة رغم أن المسافة التي تربط بين العاشور وبن عكنون لا تزيد عن 6 كلم، إلا أن تدهور الطرقات و ازدحام حركة المرور حال دون الوصول في وقت زمني قصير. المحطة الثانية كانت بن عكنون ، حيث استقلنا حافلة النقل الحضري المتوجهة إلى البريد المركزي، وهنا بدأت المعاناة مع الإزدحام مرة أخرى، حيث لم تصل الحافلة إلى حي الأبيار حتى بعد مرور نصف ساعة، ولم تخرج الحافلة من ازدحام المرور بالنقطة الأكثر سوادا بالأبيار وهي ساحة كينيدي، إلا بعد أن فقد الركاب صبرهم ، ولم ينته الازدحام إلا بعد وصول الحافلة إلى حي السكالة لنصل إلى محطة البريد المركزي في تمام الساعة العاشرة، بعدما قضينا أكثر من ساعتين من الزمن في الطريق تخللتها عدة مواقف وصور تعكس صعوبات يومية المواطنين. إجراءات مصالح الأمن غير مطبقة.. إتخذت المديرية العامة للأمن الوطني، جملة من الإجراءات، للحد من ظاهرة توقيف السيارات بطريقة عشوائية، وغلق منافذ الخروج لسيارات أخرى، مما يتسبب في عرقلة حركة المرور وإزعاج مستعملي الطريق، حيث تم تسخير دوريات للشرطة للتصدي لهذه التجاوزات، من خلال التطبيق الصارم للقانون مع تحرير المخالفات. لكن المتجول في طرقات العاصمة سواء الناحية الوسطى أو الشرقية أو الغربية، يقف على حقيقة عدم تطبيق هذه الإجراءات، مما زاد من تفاقم الوضع، وكثرة النقاط السوداء،فعلى مستوى الأبارعلى سبيل المثال لا الحصر، فمن »سرافايال« الى شاطوناف تصطف السيارات ، هنا وهناك ، والتي يركنها أصحابها ، لإقتناء أغراض من المحلات ويتسببون في عرقلة حركة المرور بشكل كبير وهذا أمام مرأى أعوان الشرطة، وهو ما أكده على مسامعنا مواطنون تحدثنا اليهم في الموضوع، متسائلين عن مصير تلك الإجراءات الصارمة، التي أعلنتها مصالح الشرطة تزامنا مع الدخول المدرسي والإجتماعي وتسخير دوريات للشرطة تعمل على التصدي لهذه التجاوزات التي تضر بمستخدمي الطريق العام، من خلال التطبيق الصارم للقانون مع تحرير المخالفات. مشكل توقف السيارات بشكل عشوائي لا يقتصرعلى حي دون أخر، فنفس السيناريو يتكررعلى مستوى سيدي امحمد ، ساحة أول ماي، مدخل مستشفى مصطفى باشا، باب الوادي، درارية، دالي ابراهيم وشراقة وغيرها .. ومامن شك أن تفاقم الوضع والبقاء ثلاث ساعات إلى أربع يوميا في الطرقات بجمع الفترتين الصباحية والمسائية، سيساهم في تزايد القلق والعصبية لدى المواطنين، فضلاً عن زيادة أمراض القلب والضغط الدموي والسكري، وهي حقيقة ستؤكدها الأيام . والملفت للإنتباه أن الازدحام لم يعد مقتصرا على أوقات الذروة فحسب كما كان سابقا بل أصبح في جميع الأوقات وفي انتظار ايجاد حلول لمشكل الإختناقات، أو على الأقل التقليل من حدتها، يفضل الكثير من الموظفين والطلبة القيام باكرا جدا للالتحاق بمؤسساتهم قبل الثامنة صباحا تفاديا للمزيد من المتاعب، إذ تشهد حركة المرور انسيابية مقبولة قبل السابعة صباحاً وبعدها يبدأ الجحيم اليومي.