اصطدمت مسيرات المعارضة ضد الغاز الصخري مجددا بعصا البوليس وأصوات »الزرنة« في ذكرى غالية على الجزائريين، وهي ذكرى تأميم المحروقات، وشكلت المناسبة فرصة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة لتنبيه الجزائريين إلى الأخطار الكثيرة المحدقة بالبلاد، في وقت تصاعدت فيه تهديدات »داعش« في ليبيا، وفي شمال إفريقيا ومنطقة الساحل الصحراوي. فشلت تنسيقية الحريات والانتقال الديمقراطي في تجنيد الجزائريين ضد السلطة تحت عنوان التضامن مع سكان عين صالح ضد استغلال الغاز الصخري، وبات واضحا أن المسيرات التي دعت لها المعارضة كانت عبارة عن بالون اختبار للوقوف على القوة الحقيقية لهذه المعارضة، وقد تأكد لها ذلك بعدما عجزت عن تحقيق هدفها الرئيسي المتمثل في نقل النقاش السياسي حول التغيير والانتقال الديمقراطي إلى الشارع، ولم يجد خطابها المنتقد للسلطة والمشكك في مصداقية مؤسساتها، رواجا في الشارع الجزائري الذي أدار مرة أخرى ظهره لتنسيقية الحريات والانتقال التي ظلت تخطب وده منذ عدة أشهر، خاصة منذ لقاء مازفران الذي ولد ميتا بعدما فقدت المعارضة وفي أولى خطواتها احد أهم رموز المعارضة في الجزائر، ألا وهو حزب جبهة القوى الاشتراكية الذي لا يزال يسعى هو الأخر إلى إقناع المولاة والمعارضة بضرورة المشاركة في ندوة وطنية للإجماع تخرج البلاد من نفق الأزمة حسب تعبير حزب حسين أيت احمد. كان منتظرا أن تواجده السلطات مسيرات التنسيقية غير المرخص بها بالبوليس، وتم توقيف العديد من المتظاهرين أغلبهم من بقايا نشطاء الحزب المحل، ولقد انتقدت منظمة العفو الدولية، في تقريرها السنوي، استمرار تضييق السلطات الجزائرية على المتظاهرين من نقابات وحقوقيين وعاطلين عن العمل، معتبرة أن تأمين الحقوق الأساسية في الجزائر أمر صعب، وأفاد تقرير المنظمة بأن السلطات »أبقت على الحظر الذي فرضته على جميع المظاهرات في الجزائر العاصمة، رغم أن قوات الأمن سمحت لبعضها بالخروج دون أن تعترض سبيلها، وفي حالات أخرى، فرقت الشرطة المتظاهرين بالقوة، وبخاصة تلك التي نظمتها حركة بركات، احتجاجا على قرار الرئيس بالترشح للانتخابات مجددا، لولاية رابعة«، وفضلت المنظمة الحقوقية ككل مرة رسم صورة سوداوية على وضعية حقوق الإنسان في الجزائر. لقد كان الموقف واضح منذ البداية، فلا يمكن القبول بمسيرات في يوم تجرى فيه احتفالات مخلدة للذكرى المزدوجة لتأميم المحروقات وتأسيس الاتحاد العام للعمال الجزائريين، خاصة، حسب تعبير الكثير من المراقبين، فإن الجزائر تمر بمرحلة جد حساسة، وقد كشف رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان حسان زهوان عن تسجيل 15 ألف احتجاج في الشارع الجزائري سنويا، في مختلف المجالات الاجتماعية، النقابية، الاقتصادية، البيئية، السياسية، الحقوقية، ولا تزال تواجه مؤامرات كثيرة تحاول جرها إلى مستنقع العنف والفوضى، فبعض المصادر تحدثت في الفترة الأخيرة عن مؤامرة لنقل أسلحة إلى الجزائر عبر ميناء عنابة، والهدف حسب تقدير البعض هو الدفع بالبلاد إلى متاهات العنف الذي يجري الإعداد له منذ فترة، حتى عبر الترويج له إعلاميا ومن خلال بعض »الأبحاث« و»التحاليل«التي أصبحت تتحدث عن احتمال انتقال تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام »داعش« بقوة إلى منطقة المغرب العربي، خصوصا الجزائر كما سنرى فيما بعد. وشكلت مناسبة تأميم المحروقات فرصة بالنسبة للرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي أكد في رسالته، أن الدفاع عن الأمن الشامل للجزائر يتطلب جهود الجميع وتعبئة وتجنيد القوى الحية كلها من أجل ضمان أمننا الاقتصادي عن طريق تنويع الاقتصاد، وأوضح الرئيس بوتفليقة أن تنويع الاقتصاد الوطني يعتبر أولوية في الجزائر لدعم التنمية وتعزيز قدراته في مواجهة الصدمات الخارجية في ظل انخفاض أسعار النفط، مؤكدا أن الجزائر تملك الوسائل اللازمة والأدوات التي تمكنها من مواجهة هذه الأوضاع، كما دعا بوتفليقة إلى الاستفادة من الطاقات التقليدية وغير التقليدية والطاقات المتجددة المتوفرة في البلاد والتي وهبها لها الله مثل: النفط والغاز التقليدى والغاز الصخرى، مع الحرص على حماية صحة المواطنين والبيئة مع حسن الاستفادة منها، وأحصى الرئيس اكتشاف ما يفوق 430 بئرا للنفط والغاز التي مكنت من مضاعفة القدرات الوطنية 25 مرة مقارنة بعام 1971 بالموازاة مع انجاز مشاريع كبرى لمد أنابيب نقل عابرة للقارات الأمر الذي سمح بتعزيز قدرات البلاد على تموين العديد من الأسواق عبر العالم. ودعا بوتفليقة الجزائريين إلى حماية البلاد ووقايتها من »أنواع الكيد والأذى الناجمة عن تلك المحاولات الداخلية والخارجية التي تهدد استقرار البلاد«، مشددا على أن هذا السلم الذي استعادته الجزائر جاء بأغلى الأثمان وعلى أنه لا يمكن تحقيق التنمية في غياب السلم، والتركيز هنا على حماية البلاد من المخاطر التي تحيط بها تحيلنا مباشرة إلى التهديدات الأمنية التي تواجهها البلاد يوميا، خاصة على الحدود وفي دول الجوار وعلى رأسها ليبيا التي تواجه أزمة أمنية خطيرة سمحت للتنظيم »داعش« من التمدد بشكل أصبح يقلق خصوصا دول الجوار وعلى رأسها الجزائر. لقد احتضنت الجزائر خلال الأسبوع المنصرم مؤتمرا دوليا حول دعم وتجفيف منابع الإرهاب وتجريم دفع الفدية وتجارة المخدرات، وتناول الاجتماع الدولي الذي أشرفت عليه وزارة العدل بالتنسيق مع وزارة الخارجية، مسألة المتاجرة بالمخدرات وتجريم الفدية كمصادر لتمويل الإرهاب، من منطلق أن دفع الفدية للجماعات الإرهابية والمتاجرة بالمخدرات هي المنبع الأساسي لتمويل الإرهاب خاصة في منطقة الساحل جنوب الصحراء، ويكتسي هذا المؤتمر أهمية كبيرة بالنظر إلى الوضع الأمني الذي تشهده المنطقة حيث ركز المشاركون من مختلف الدول على تطوير مشروع البروتوكول الإضافي لاتفاقية الإرهاب الذي سيقدم إلى هيئة الأممالمتحدة. وشكل المؤتمر الدولي مناسبة للجزائر لتأكيد أطروحاتها بشأن مكافحة الإرهاب، وكان رئيس الدبلوماسية الجزائرية رمطان لعمامرة قد أكد بأن الأولوية بالنسبة للجزائر هو منع تنظيم »داعش« من تخطي الحدود ودخول التراب الجزائري، وهذا لا يعني بأن الجزائر تهتم فقط بمكافحة الإرهاب داخليا وأن ما يجري عند الجيران لا يعنيها، بل بالعكس فإن كل المقترحات التي تقدمت بها تندرج ضمن تقديم حلول حقيقية ودائمة للأزمة الأمنية المستشرية في ليبيا، وهذا بعيدا عن أساليب المناورة التي تعتمدها العديد من القوى الكبرى وحتى بعض الجيران على غرار المغرب الذي يعمل كل ما في وسعه لإفشال المسعى الجزائري المتعلق بالتمكين للحل السياسي السلمي في ليبيا والتوصل إلى اتفاق يجمع مختلف الأطراف في هذا البلد حول أرضية واحدة تسمح بحماية ليبيا من الإرهاب والانقسام. دخول النظام المغربي على خط المفاوضات لحل الأزمة في ليبيا انتهى بالفشل، ولا تعني تلك المحاولة المغربية إلا شيئا واحد وهو أن الرباط تراهن على إفشال المسعى الجزائري، وربما القضاء على كل أمل في إقامة حوار سياسي جدي ينهي الاقتتال في ليبيا.