كان التواصل و التراسل في بدايات عهده بين الناس يتم عبر مجموعة من الوسائل و الوسائط من بينها استخدام النار و ألسنة اللهب و النداء من أعلى قمم الجبال و الأماكن المرتفعة العالية ليسمعها الطرف الآخر و ليأخذ الاحتياطات اللازمة لمواجهة الحرب أو الاستعداد لزائر عزيز أو الدعوة لحضور أفراح أو أقراح ، و استخدم آخرون الطبول و المزامير لإرسال الأخبار و المعلومات لغيرهم من الأمم و الناس . و عُرف عن العرب أنهم استخدموا الجمال و البغال و الخيول لنقل الرسائل و الأخبار السريعة..لكن الراجح أيضا أن العرب هم أول من استخدم قبل 24 عاما من الميلاد الحَمَامَ الزَّاجِل كوسيلة للبريد السريع و الأخبار من قطر لآخر و من ملك أو أمير لآخر، و قد كانت هذه الوسيلة البريدية و ما تزال تُحيِّر العلماء بما فيهم المختصين في علم الطيور و الحيوان، فكأن لدى هذا الطائر جهازا للاستشعار gps يقوده لأبعد المسافات حاملا رسائله مربوطةً بإحدى قدميه لأصحابها من محبين و عشاق و ملوك و سلاطين و أمراء ثم يعود محملا برسائل من هؤلاء لموطنه الأصلي بعد أن يقطع المسافات الطويلة طائرا محلقا في السماء دون أن يخطئ الهدف ذهابا و إيابا . و لَئِنِ اختلف الباحثون في الموطن الأصلي الأول لهذا الطائر الوفي و العجيب فإن بعضهم يرى أنه من إفريقيا و بالضبط من الجزائر و ليبيا و السودان. و تواصل تطور وسائل الاتصال البريدي، فصارت البواخر و الطائرات ووسائل أخرى جد متطورة توصل الرسائل في ظرف قصير عبر الثواني و الساعات و قليلا ما تتجاوز الأيام.. و في الأعوام الأخيرة لم تعد الرسائل التقليدية المكتوبة التي يوصلها سعاة البريد مشيا على الأقدام أو على الدرَّاجات تحظى بالاهتمام مثلما كان ينتظرها مستقبلو تلك الرسائل ، و كانت بعض تلك الرسائل و خصوصا وقت الحروب تضيع أو تحتجزها الجهة المعادية فتشكل بذلك خطرا على مُرْسِليها . حملت العشريات الأخيرة و خصوصا الخمسة أعوام الأخيرة منها تطورا مذهلا في التواصل بين الأفراد و الجماعات و المؤسسات بعد أن كان بعض هذا التواصل في بداياته مختصرا على بعض المؤسسات الحساسة للدول الغربية و خصوصا المخابراتية منها . فقد أصبح التواصل عبر الانترنيت من خلال الفيسبوك و التويتر و الانستاغرام و الفيبر و الميسنجر و الكيك و الوات ساب و غيرها بالصوت و الصورة و الكتابة وحتى بإرسال الفديوهات للطرف أو للشخص الآخر من أبرز مُكَوِّنات التكنولوجيات البالغة الدقة و السريعة عبر هذا التواصل الاجتماعي الذي صار لا يأخذ فقط شكل الرسائل البريدية المتبادلة بين الناس و المؤسسات و الدول بل يأخذ صفات أوسع و أشمل في العلاقات الإنسانية الدافئة و غير الدافئة ، و ربما تنحرف بعض هذه الاتصالات مما يتسبب في تدمير رهيب لبعض الأسر ، و قد يسيء لأشخاص من خلال نشر بعض الصور الفاضحة التي تُرْسَلُ عبر صفحة أو موقع شخص لا علاقة له بما تم إرساله من خلال ما يُطْلَق عليها بعمليات الاختراق، أو قيام بعضهم بانتحال الصفة بنشر صورة فنان أو فنانة أو صورة شخصية عمومية على صفحته للتمويه المتعدد الأشكال بما في ذلك في الأعمال اللاأخلاقية أو الإرهابية و الإجرامية و في السرقات المتعددة الأشكال . و إذا كان التواصل إلى وقت قريب يتم عبر ما يصطلح عليها بالرسائل القصيرة sms فإن الاستخدام المتعدد الأشكال الذي أدخله كل من الأمريكي بريان أكتون و الأوكراني جان كوم منذ 2009 باختراع التواصل عن طريق الوات ساب whatsaap قد جعل عدد الرسائل يقفز من عشرة مليار رسالة في اليوم الواحد عام 2012 إلى 27 مليار رسالة في اليوم الواحد في 2013 . و قد قامت شركة الفيسبوك خلال العام الماضي 2014 بشراء نظام الوات ساب من مخترعيه بمبلغ خيالي قُدِّر ب 19 مليار دولار لما يحمله من ميزات متعددة في التواصل و التراسل المتعدد الأشكال . و الغريب في الأمر أن أحد مخترعي هذه الطريقة و هي الوات ساب الأوكراني كوم كان يعيش حياة مُعْدمَة في بيتٍ لا ماء فيه و لا كهرباء إلى غاية سن السادسة عشرة إلى أن هاجر رفقة والدته إلى الولايات المتحد الأمريكية حيث دفعته عصاميته و كذا الظروف المشجعة على الاختراع و البحث العلمي و التكنولوجي في أمريكا باعتبار أن هذا البلد يشجع على خلق الفرص الضائعة على أن يفتق عبقريته في التكنولوجيا ويصل صحبة رفيقه أكتون إلى هذا الاختراع الذي قد ينقلهما من شابين تائهين إلى قائمة أصحاب الملايير. ونظرا لتعدد الاستخدامات بشأن هذه الوسائط و الانحرافات التي تخلقها بين الحين و الآخر فإن العديد من الدول تلجأ إلى سن قوانينَ ردعية لمحاربة ما يسمى بالجريمة الاليكترونية التي صارت اليوم من أبشع الجرائم في هذا العصر ، لأنها تقدم صورة مشينة عن هذا التواصل الذي يسعى البعض إلى تسويد إيجابياته و جمالياته و نجاعة سرعته و يحول دون أهداف الرسالة النبيلة التي كان الحمام الزاجل يحملها حتى و لو كان مضمونها رسالة إعلان حرب.
وشخصيا فأنا مع هذا التواصل متى كان نبيلا ويخدم أهدافا نبيلة في التواصل الإنساني والمعلوماتي و الثقافي و المعرفي وحتى التجاري بين الناس ، أمَّا أنْ يُصبح عاملَ تخريب للعلاقات كيفما كان شكلها ووسيلة يستخدمها الإرهاب للتفجير عن بعد لقتل الأبرياء وفي السرقة والإجرام ، فإنني أرْبأ به وأُدِينه مثلما يرفضه الكثير ممن يتعاملون مع هذه الوسائل. [email protected]