في تصريح لنقيب منظمة محامي الجزائر،محمد بغدادي: نؤكد على مواكبة هيئة الدفاع لتطورات العالم الرقمي    بغرض تسهيل تنقلهم نحو أرض الوطن دون تأشيرة مسبقة: نواب ممثلون للجالية الوطنية يثمنون قرار رئيس الجمهورية    مصدر،علي عون: بقينا نحتاج إلى صفائح المعدنية لصناعة السيارات    دولة فلسطين ترحب بمشروع القرار الذي تقدمت به المجموعة العربية: 143 دولة صوتت لصالحه وامتنعت 25 في حين رفضت القرار 9 دول    أعمال معادية للمسلمين بمدينة بورغ أون بريس بفرنسا    مجلس أعلى للصحافة هو الحل..!؟    حسب مصالح الأرصاد الجوية : أجواء مشمسة على معظم الوطن    الجزائر- إيطاليا.. تعزيز الشراكة والتنسيق ضمن «ماتيي»    وزارة المالية تطلق دعوة للترشح.. قريبا    جيشنا قوّي وسيتقوى أكثر لصون استقلال الجزائر    المدرسة العليا للإدارة العسكرية بوهران.. تكوين عصري وفعّال    فيزا شنغن : تجديد تأشيرة الإقامة القصيرة    البوليساريو تحصي مكاسبها في ذكرى التأسيس    نتطلع إلى المزيد من الازدهار في علاقاتنا مع الجزائر    منتخبنا لأقل من 20 سنة يحرز9 ميداليات جديدة    اختتام ورشة العمل بين الفيفا والفاف    "العميد".. للاقتراب من اللّقب من بوّابة اتحاد خنشلة    المنتخب الوطني يواصل تحضيراته بإسبانيا    توسيع القاعدة المنجمية ضمن استراتيجية وأولويات الرئيس    نحو بلوغ استغلال 60 % من المياه المُسترجعة    ورقلة.. مساعٍ لحماية المساحات الخضراء من التّوسّع العمراني    مولوجي تفتح الآفاق أمام إبداعات المرأة    "زئير الظلام".. يستقطب جمهورا واسعا بقسنطينة    إقبال كبير على الفيلم الفلسطيني "معطف حجم كبير"    استئناف حجز تذاكر الحج لمطار الجزائر    مستوطنون يحرقون مكتب "الأونروا" فيذالقدس المحتلّة    برج بوعريريج..نحو تهيئة متنزه بومرقد وجعله متنفّسا للعائلات    رخروخ يستقبل وفداً    بمناسبة اليوم العالمي لحرية التعبير وبجامعة باتنة1 : المنتدى الوطني الأول "الأخبار الكاذبة عبر منصات الإعلام الرقمي"    عين الدفلى : توقيف 7 أشخاص وضبط 56340 قرص مهلوس    غرداية : تفكيك نشاط شبكة إجرامية وحجز 1500 مؤثر عقلي    تتويج عالمي للزيت الجزائري    أونروا : وقف إطلاق النار "الأمل الوحيد لتجنب إراقة المزيد من الدماء ويجب إعادة فتح طرق المساعدات"    شكوك حول مشاركة غنابري مع ألمانيا في أورو 2024 بسبب الاصابة    العرباوي يستقبل سفير إيطاليا    بداني يُطمئن الصيّادين    استحسن التسهيلات المقدمة من السلطات : وفد برلماني يقف على نقائص المؤسسات الصحية بقسنطينة في مهمة استعلامية    غرداية: الفلاحون مدعوون إلى توحيد الجهود لإنجاح الإحصاء العام للفلاحة    مشاركة 37 ولاية في اليوم الوطني للفوفينام فيات فوداو    طاقم طبي مختص تابع لمنظمة أطباء العالم في مهمة تضامنية في مخيمات اللاجئين الصحراويين    دورات تكوينية لفائدة وسائل الإعلام حول تغطية الانتخابات الرئاسية بالشراكة مع المحكمة الدستورية    مجلس الأمة يشارك في مؤتمر القيادات النسائية لدعم المرأة والطفل الفلسطيني يوم السبت المقبل بالدوحة    الديوان الوطني للإحصائيات: فايد يؤكد على ضرورة تحسين جودة البيانات    صورية مولوجي تفتتح الطبعة التاسعة للمهرجان الوطني لإبداعات المرأة بالجزائر العاصمة    البطولة المحترفة الأولى "موبيليس": نقل مباراتي إ.الجزائر/م. البيض و ش.بلوزداد/ ن. بن عكنون إلى ملعب 5 جويلية    خنشلة.. انطلاق الحفريات العلمية بالموقع الأثري قصر بغاي بداية من يوم 15 مايو    المعرض الوطني للصناعات الصيدلانية بسطيف: افتتاح الطبعة الثانية بمشاركة 61 عارضا    انطلاق لقافلة شبّانية من العاصمة..    الحملة الوطنية التحسيسية تتواصل    رئيس الجمهورية يستقبل وزير خارجية سلطنة عمان    البروفسور بلحاج: القوانين الأساسية ستتكفل بحقوق وواجبات مستخدمي قطاع الصحة    لا تشتر الدواء بعشوائية عليكَ بزيارة الطبيب أوّلا    "كود بوس" يحصد السنبلة الذهبية    اللّي يَحسبْ وحْدُو!!    التوحيد: معناه، وفَضْله، وأقْسامُه    أفضل ما تدعو به في الثلث الأخير من الليل    هول كرب الميزان    "الحق من ربك فلا تكن من الممترين"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الكبار أيضا يطربون
نشر في صوت الأحرار يوم 31 - 08 - 2010

هل المعجزة أن يطرب الكبار؟ أبدا المعجزة أن لا يطربون.. ذلك أن الإنسان مُؤلّف، إذا استثنيا قفصه الجسدي، من عقل وقلب، أما العقل فوظيفته الإدراك وأما القلب فوظيفته التأثر بالمشاعر الوجدانية من حب وتعظيم وإجلال، مما يعني أن الإنسان يكون كبيرا بقدر ما يكبر هذان الشطران من كيانه. ولما كان القلب منبت العواطف ومنبع الوجدان فهذا يعني أن طرب الكبار يكون إذن هائلا.
شاءت أقدار الله عز وجل لكاتب هذه السطور أن يجالس ثلاثة كبار في ثلاث عواصم عربية )الجزائر وطرابلس الغرب ودمشق(، اختلفت مشاربهم الفكرية والأدبية واتفقت قلوبهم في الرفعة والصفاء.. وأن يشهد بين أيديهم لحظات طرب جميلة حاول أن ينقلها بما تسمح به الطبيعة البشرية من أمانة وموضوعية ودقة، وبما يستطيع قلمه الصغير.
أول هؤلاء الكبار أستاذ الجيل عبد الحميد مهري، والأستاذ لطيف وذكي وأديب، أمضى عقد شراكة دائم مع المَلاحة والطرافة والأدب، وصفه أحد الأصدقاء الظرفاء بأن قارورة عطر جميلة تسكنه، في حضرة الأستاذ لا معنى للحياد، فإذا حدثك أفادك بلا حدود، ففي كلامه من السحر ما يخفى على هاروت وماروت، وإذا أنصت إليك أحسست أن الله جمع حواسه الخمس في حاسة واحدة هي أذنه. الأستاذ ميّال للإيجاز ويمكن لمفردات قليلة من قاموسه الغني أن تحمل معاني كثيرة، ومن عرف هذا الأستاذ عرف هذه الميزة فيه بكل جلاء ووضوح.
وتماشيا مع حب الأستاذ للإيجاز وولعه به ورغبة في إدخال شيء من السرور على هذا القلب الكبير جرت هذه الطريفة في حضرته.. وكاتب هذه السطور على معرفة متواضعة بالحياة الثقافية في ليبيا التي ظلت عامرة مزدهرة من أقدم العصور وليست قاحلة كما تبدو من بعيد على حد تعبير شيخ الأدب والتاريخ في ليبيا على مصطفى المصراتي، بل وسبق لكاتب هذه السطور أن ألقى محاضرات عن الأدب العربي في ليبيا خلال الثلث الأخير من القرن العشرين نالت استحسانا من بعض النقاد.. اختار في هذه المحاضرات راكب القوافي الصعبة الدكتور الشاعر أبو القاسم خماج، وهذا الرجل له موقف أزلي من قصيدة النثر التي رفضها ولم يجد فيها من الشعر ما يبرر اعتبارها قصيدة، ولما هاجمه أنصار هذا اللون من الأدب وكتبوا له يقولون: لو كان صاحبك الخليل بن أحمد الفراهيدي حيا لعمّد قصائد النثر بدمه، وإذا بالدكتور خماج يجيب على هؤلاء الفتية بكلمة موجزة فريدة: منتحرا.. أي لعمّد الفراهيدي قصائد النثر بدمه منتحرا.
نزل هذا الجواب الموجز بردا وسلاما على الأستاذ عبد الحميد مهري، منتشيا بهذه البداهة في الإيجاز.. وافقت مزاج الرجل وأسلوبه.. ولمستُ شيئا غير يسير من الطرب يسرى إلى فؤاد هذا الرجل الكبير.
الموقف الثاني كان في طرابلس مع الأستاذ الموسوعي الدكتور أحمد محمد شريف، والرجل ناعم وأديب ويحمل من المعاني التي يشير إليها اسمه شيئا كثيرا، والدكتور مجموعة طريفة من العقل والأدب والذوق والذكاء، وهو صورة صادقة للروح المرح الطروب، وهو عنوان الرجولة الصريحة التي تمقت الكذب والرياء، وهو بالتأكيد أثمن ذخائر أمتنا على حد تعبير الدكتور علي فهمي خشيم، درس الفضيلة عند الغزالي في بلاد الغرب فصبغت حياته كلها بمعنى الفضيلة، فسرت في سلوكه وكلامه وذوقه وصارت صلته بالفضيلة كصلة الوجه بالمرآة، فكما يبحث الوجه عن مرآة جميلة صافية تعطيه أبعاده الحقيقية؛ تبحث المرآة عن وجه جميل يروي لها ظمأها، وطالما تساءلت بيني وبين نفسي هل أفقر عصر الغزالي من مثل هؤلاء حتى اضطر لكسر مغزله.
بعد عودة لي من بلاد العجم ذات رمضان حار كان لي موعد ولقاء جميل مع فضيلة الدكتور، تكلمت في حضرته كثيرا وأطلت وعذري أن الهدهد تكلم في حضرة سليمان عليه السلام وبقي كلٌ في مقامه. كان كلامي عن بلاد العجم مزيجا عن الشعر والعلم والتصوف في تلك البلاد، وصل الكلام إلى الشاعر الكبير مولانا جلال الدين الرومي، شاعر الكرامة الإنسانية، والذي يعلي من قيمة الحب والعاطفة والوجدان وكرامة الإنسان، بل يدعو الإنسان إلى أن لا يبيع نفسه بشيء تافه فأحرى بهذا الإنسان أن يبيع نفسه لله.. لقد تمت الصفقة وانعقد البيع فالشيء لا يباع مرتين.. وعطرتُ مجلس الدكتور ببيت لمولانا جلال الدين: اجمع من علوم الأولين والآخرين ألفا فإنك من غير عشق لن تصير أفّأ ورأيت طربا ينفلت من ثنايا الدكتور الشريف كما تنفلت أشعة القمر من قبضة الأطفال.
أما الموقف الثالث فكان مع الأستاذ الفقيه محمد سعيد رمضان البوطي، والحديث معه وعنه إطلالة ممتعة عن عالم أخضر الجنبات وافر الظلال منعش النسمات.. يعرفه الناس فقيها رصينا يكتب في أدق مسائل الفقه والأصول ويعرفه الخاصة من متتبعي الحركة الأدبية أديبا أصيلا بارعا يكتب في رقائق الشجن والحنين. عرفت الأستاذ في الجزائر وفي دمشق وأحببته وبادلني شيئا من هذا المعنى، فالرغيف الذي لا يشطر إلى شطرين لا يُشبع.
زرت الأستاذ في بيته بدمشق وكان على عادته بشوشا طروبا سمحا كريما، قرأت في زوايا بيته بيتا شهيرا لشاعر عربي قديم: ولي كبد مجروحة من يشتري بها أخرى غير ذات جروح أبى الناس عليّا لا يشترونها ومن يشتري ذا علة بصحيح قلت له: هل يمكنني يا أستاذ أن أعارض هذا الشاعر وبيته الشهير: فلو علم الناس ما لهذه الكبد لاشتروها بملك الدنيا ولو عرف صاحب هذه الكبد قيمتها لما باعها بكنوز كسرى وقيصر، فما قيمة كبد غير جريحة؟ إن هي إلا مضغة لحم أو قطعة خشب، فالقرية إذا خربت لا تُفرض عليها المكوس والضرائب.
فطرب الأستاذ الفقيه طربا جميلا.. وتساءلت بيني وبين نفسي في حضرته: هل يمكنني بعد هذا أن أتكلم أم أكتفي بالوجوم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.