الخوف من غلبة الرجاء يقول ابن عطاء الله السكندري:”العارفون إذا بُسطوا أخوف منهم إذا قبضوا ولا يقف على حدود الأدب في البسط إلاَّ القليل” إن العارفين أشد فرارًا من حال البسط إذ تمرّ بهم، من حالة القبض إذ يمكن أن تمر ّبهم هي الأحرى. ذلك لأن حالة البسط (الرجاء) تتناسب مع حظوظ النفس، إذ هي ميالة إلى البحث عن أسباب الطمأنينة ودلائلها.. لكي تركن إلى اقتطاف متعها و الحصول على متطلباتها دون أي وجل أو حساب. بل إن حالة البسط،إن استمرت،أورثت صاحبها، ربما ثقة بحسن المآل، وسعادة العقبى. ومن شأن ذلك أن يبعث على التكاسل عن النهوض بعزائم الطاعات، والتراجع عن طريق الاستكثار من النوافل و القربات، و الانصراف عن كل ما يحمّل النفس عنتاً ويكلفها جهداً من الطاعات، هذا بالإضافة إلى أن حالة البسط هذه تغري صاحبها بالكشف عما قد عرفه لنفسه من خوارق وكرامات، فيجلجل بالحديث عنها بين المريدين والأقران، وتختلط عليه، فيجلجل بالحديث عنها بين المريدين والأقران، وتختلط عليه عندئذ مشاعر السرور من البسط الذي يطوف بقلبه من بواعث التجليات الإلهية، بمشاعر النشوة التي تهيمن على نفسه من انجذاب الناس إليه وتبجليهم له وعظيم اعتقادهم به. وهذا من نذر الشقاء والهلاك!.. على أنهم يفرّون أيضاً من حالة القبض إن وجدوا شيئاً من بوادرها أو بواعثها يتجه إليهم، ذلك لأنه يخشون من أن ينشغلوا بالخوف من عوارض العذاب والعقاب، عن الخوف من الله ذاته، إذ يرون أن انصرافهم إلى التفكير في العوارض كلها، نوعاً من الغفلة عن ذات الله عز وجل. إذ أن القلب إن انشغل بالخوف من العصا التي هي مبعث العذاب لا يفرغ للمخافة ممن يحمل العصا من حيث ذاته، بدليل أنه إن وضع العصا من يده وابتعدت عنه، لا يشعر القلب عندئذ بالخوف ممن كان يلّوح بها قبل قليل. واعلم أن المطلوب من كل مسلم أن يجمع حب الله والخوف منه، ألا ترى الله عز وجل يخاطب عباده قائلا:{وخافون إن كنتم مُؤمنين}، يذكرهم أيضا بضرورة محبتهم له، فيقول:{والذين آمنوا أشدُّ حبًّا للّه}(البقرة). غير أنَّ البسط المقصود من هذا الكلام عند ابن عطاء الله ليس البسط المتولد من محبة الله، إذ لا خطر فيه لأنه يؤدي بالعبد إلى الالتزام بعزائم الطاعات والقربات. وإنما المقصود البسط الذي يتجلى على السالك لدى استغراقه في صفات الرحمة والإحسان والعفو والمغفرة.. فهذا الذي يعرض صاحبه لسوء الأدب مع الله، وتجاوز حدوده.. المرحوم الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي (بتصرف)