طرح الدكتور عمر بوساحة، أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر، على صفحته على ”الفايس بوك” موضوعا هامًّا، انطلق فيه من إشكالية يعرفها جيّدا، وهي إدراج مادة الفلسفة في المنظومة التربوية الجزائرية. وليس من نافلة القول الحديث عن مثل هذا الموضوع الحيوي في ظل منظومة تربوية عاجزة عن مواكبة روح العصر، وعن توفير المناخ الملائم لتمدرس أبناء الجزائريين.ومادة الفلسفة هي من المواد التي تُساعد التلميذ والطالب على تنمية قدراته على التفكير السليم وتطوير أدواته التحليلية والتزود بكل ما من شأنه أن يرفع من إمكاناته في النظر إلى الكثير من القضايا ذات العلاقة بالحياة والكون والمجتمع. من هنا ربما، جاءت فكرة طرح الدكتور عمر بوساحة لهذه الإشكالية الهامة، وزاد عليها طرحه لبعض القضايا التقنية والمنهجية كطبيعة المواضيع الواجب تدريسها في هذه المادة الضرورية، مثلما سبقت الإشارة إلى ذلك، بالنسبة لكل الطلبة في كل المستويات. وحتى وإن انطلق الدكتور بوساحة من فكرة أنه لا توجد فلسفة جزائرية، أو تونسية أو فرنسية أو غير ذلك، حتى وإن لامست بعض الخصوصيات الثقافية المحلية، وإنما توجد فلسفة إنسانية عامة، لأن الفيلسوف، كما يوضح عمر بوساحة، يكتب عن كل ما هو إنساني، وعن الإنسان أينما كان وحيثما وجد. إلا أن تلك الفكرة لم تمنع الدكتور بوساحة من الإشارة إلى ضرورة أن تتضمن المنظومة التربوية الوطنية مواضيع لها علاقة بالمدونة الفلسفية الوطنية، إذا صح هذا التعبير، لأن بعض الأكاديميين الجزائريين قاموا بجهود على هذا المستوى، وتركوا للأجيال اللاحقة بعض الاجتهادات المحترمة، يرى بوساحة أنه من الضروري أن يتم تثمينها، على الأقل بإدراجها ضمن منظومتنا التربوية، بدل إقصائها وتهميشها. وفي هذا الإطار ذكر الدكتور بوساحة بمجهودات الدكتور عبد الله شريط الذي قام بمجهود في مسائل التنمية والتربية والتعليم، ولو أنه عالجها في إطار إنساني عام. كما أشار إلى جهود مالك بن نبي في مسائل الحضارة، وكريبع النبهاني في قضايا الجمال ومحمد أركون في قراءته التي قدمها في التراث الإنساني، والإسلامي منه على وجه الخصوص. وأكد بوساحة بالقول: ”هكذا هو النص الفلسفي الجزائري، نص يعالج إشكالات موضوعية نجدها حاضرة في نصوص الكثير من فلاسفة هذا العالم”. بعدها راح يشرح ظاهرة غياب تلك النصوص عن المقررات الدراسية في الجزائر، مستغربا في الوقت ذاته سر ذلك الغياب غير المبرر في كثير من الأحيان، اللهم إلا إذا استثنينا بعض الإشارات التي تتضمنها المقررات على مضض لبعض منجزات مالك بن نبي. ويرد أستاذ الفلسفة بجامعة الجزائر إلى ذلك الغياب جهل أجيال كثيرة من المتمدرسين الجزائريين وجود اجتهادات فلسفية جزائرية، وأيضا وجود متفلسفين جزائريين، وهذا إجحاف في الحقيقة وبُعد عن الموضوعية والإنصاف، يضيف الدكتور عمر بوساحة. ويعتبر بوساحة أن تدريس مثل هؤلاء المتفلسفة الجزائريين يساهم في تقريب الدرس الفلسفي من المتلقي، كما يساعد على تقديم صورة أحسن للمتمدرسين ويُرغبهم أكثر في تقبل هذه المادة والاهتمام بها. ودعا الدكتور بوساحة القائمين على شؤون التربية في الجزائر إلى ضرورة منح الأولوية للفلاسفة الجزائريين ضمن المقررات الدراسية لتُؤتي ثمارها في المجتمع وتساهم في حل بعض المشكلات التي يعاني منها.لكن الطريف في تعليقات بعض الجزائريين على هذا الموضوع الهام جاء موجعا، حيث قال أحد المعلقين إن ”العطار لا يُصلح ما أفسده الدهر”، وعلق آخر بالقول ”برنامج الفلسفة الحالي يشجع على النقطة وليس على التفكير”، في حين قال ثالث أن الفلسفة في وطننا الجزائر تعيش وضعا غير مريح أصبحنا نحن أساتذة المادة نردد أفكار ونظريات الفلاسفة يغترب فيها الأستاذ قبل التلميذ لأنها بعيدة عن واقعنا..إنها المأساة”.