لا يصيب الكذب في صورته المرضية التي تستدعي العلاج الأفراد فحسب، ولكنه يصيب المجتمعات والأمم أيضا. وإذا كان الميتومان الفرد يخترع حياة ثانية يعيش في جنتها هروبا من حياته، فيبدع في سرد تفاصيل الحياة الجديدة ويسرف في اختلاق البطولات، فإن المجتمعات والأمم تلجأ إلى صناعة أكاذيب دافئة تحتمي فيها من قسوة الواقع. وفي الحالتين فإن الأمر يتعلق بحالة هروب وبحل خيالي لمشكلة واقعية لها أدوات الحل في الواقع ذاته. تعلمنا أدبيات التحليل النفسي أن الميتومانيا قد تكون مجرد عرض لأمراض أخرى ألطفها على الإطلاق الفصام. وينصح المعالجون بأخذ الحالات برفق وتفادي مواجهتها بالحقيقة الصادمة خلال عملية الحفر لاستخراج المكبوتات المسببة للمرض. لكن العلاج يبدو مختلفا في حالة الجماعات التي تنتج الكذب وتحوله إلى فن للعيش، إذ تبدو الصدمة ضرورية، حتى وإن كان العلاج بها صعبا أمام الانتشار المخيف لهذا "الفن" في دواليب الحياة وتقدم سادته إلى مواقع بارزة في الحياة العامة، حتى بات صفة مرادفة "للنجاح" ، أي أنه في طريق التحول إلى بنية وسلوك مقبول، أمام تعطل آليات الردع في منظومة تعاني أصلا من اختلال في سلم القيم وضعف في المستوى التعليمي والعلمي وفقر في إنتاج الأفكار وفوضى غير خلاقة، وبكل تأكيد فإن عواقب الظاهرة ستكون خطيرة لأنها لا تعني فردا فحسب ولكنها تمس بآليات سير مجتمع ككل بطريقة غير مرئية كمياه جوفية ترتفع في ليل ساكنة مطمئنين، والخوف كل الخوف أن يرتفع الماء أكثر وتتحول "حياتنا" إلى أكذوبة قابلة للتصديق! سليم بوفنداسة