عرفت الأزمة السورية تطورات ميدانية وسياسية خلال سنة 2016، لاسيما بعد التدخل العسكري الروسي الذي قلب موازين القوى بين الأطراف المؤثرة في الملف السوري، حيث استعادت الحكومة السورية قوتها، خاصة بعد الأنتصار العسكري الكاسح ضد الجماعات الإرهابية في حلب. وقبل هذا التطور الايجابي عرفت سوريا مآسي تعقدت بظهور تنظيم "داعش" الإرهابي وجماعات متطرفة أخرى، مما غير وجه الأرض السورية ليسقط آلاف القتلى من السوريين و نزوح الملايين، فيما شهدت البنية التحتية والإقتصادية للبلد انهيارا تاما في ظل وضع لاينذر بالتحسن. تغير ملحوظ في مواقف القوى الدولية بدأ التغير الملحوظ في مواقف القوى الدولية فعليا خلال 2016 ، نتيجة التدخل العسكري الروسي المباشر، الأمر الذي أوجد فرضية جديدة تقوم على تقبل باقي القوى الدولية التدخل الروسي في ظل تغير موازين القوى، حسب المحللين. فبعد التقدم العسكري السوري لم يعد يمثل رحيل الأسد عن الحكم اهتمام الدول الغربية التي أنهت شوطا كبيرا من المفاوضات سواء في جنيف أو فيينا، بل صار بشار الأسد جزءا من الحل السياسي للوضع في هذا البلد العربي. غير انه بالموازاة مع هذا، لاتزال بعض المواقف الإقليمية متعارضة إلى حد كبير، خاصة تلك المؤيدة للمعارضة المسلحة والتي ترى أن النظام الحكومة أكبر الرابحين من تطور الأحداث على الميدان. وفي سياق الجهود المبذولة لحل الأزمة السورية 2012 و2014 في ظل انعقاد دورتين تفاوضيتين بجنيف، جاءت مشاورات موسكو الأولى والثانية التي مهدت وفق كثيرين لعقد مفاوضات بين الأطراف الدولية في العاصمة النمساوية فيينا حيث اتفق على نقاط عدة تم تبنيها ضمن قرار مجلس الأمن رقم 2254 . وفي مارس و أبريل 2016 عقدت ثلاث جولات من المفاوضات غير المباشرة بين طرفي النزاع برعاية موفد الأممالمتحدة، ستيفان دي مستورا، في جنيف دون إحراز تقدم ملموس، إذ لم يتفق الطرفان على آليات الانتقال كما تواجها حول انتهاك وقف الأعمال القتالية الذي توصلت اليه واشنطنوموسكو في فبراير الماضي. إنتصارات متتالية يحققها الجيش السوري بدعم روسي حقق الجيش السوري منذ التدخل العسكري الروسي نهاية سبتمبر 2015 تقدما واضحا وتمكن من استعادة عدة مناطق كانت تحت سيطرة قوات المعارضة السورية المسلحة أو تنظيم "داعش" الإرهابي. ثلاثة أسابيع كانت كافية لتنهي وجود المسلحين في مدينة حلب التي أصبحت أكثر جبهات القتال شراسة، حيث باتت 99 في المئة من أحياء المدينة الشرقية في قبضة الجيش السوري، إثر انهيارات متتالية في صفوف المسلحين الذين حشروا أنفسهم في زاوية ضيقة في الناحية الجنوبية الغربية من أحياء شرق المدينة التي كانت مقسمة منذ أعوام إلى شطرين غربي خاضع للحكومة و شرقي خاضع لمقاتلي المعارضة. الإنتصار الكبير الذي حققه الجيش خلال فترة وجيزة، واسترجاعه لعاصمة الشمال يمثلان نقلة جوهرية في مسار الحرب، حيث تعتبر حلب ثقل سوريا الاقتصادي، ما يعني أن التوازن الاقتصادي سيعود إلى سوريا مع عودة المدينة ودوران العجلة الصناعية والتجارية فيها من جديد، إضافة إلى أهميتها السياسية كورقة تفوق ميدانية كبيرة خلال المفاوضات السياسية الدولية، الأمر الذي يفسر سبب الدفع بثقل عسكري كبير لاستعادتها. وكانت دمشق قد عرضت على المسلحين عدة فرص لتسليم أسلحتهم ومغادرة المدينة، لكن من دون جدوى، وبموجب اتفاق لوقف إطلاق النار و إجلاء المدنيين والمقاتلين من شرق حلب برعاية روسية - تركية تم في 15 ديسمبر إجلاء الآلاف منهم ما يمهد لبسط الجيش السوري سيطرته على المدينة. مشهد إنساني قاتم ومصاعب متزايدة تواجه اللاجئين السوريين في الملف الإنساني، يبدو المشهد قاتم جدا، فوفق آخر تقارير الأممالمتحدة أدى القتال في سوريا إلى مآس كثيرة منها: مقتل 250 ألف شخص على الأقل وإصابة قرابة مليون آخرين، إضافة إلى لجوء نحو 5 ملايين شخص إلى خارج سوريا و نزوح أكثر من 7 ملايين داخل البلاد، و تدمير أو تضرر نحو مليون و200 ألف منزل و تدمير أو تضرر نحو 57 في المئة من المستشفيات والمراكز الطبية إلى جانب تدمير أو تضرر أو سرقة نحو 900 موقع أثري بشكل كبير. وتعد أزمة اللاجئين السوريين واحدة من أعقد حالات التهجير القصري في العصر الحديث، ومنذ بدء الأزمة وجدت الغالبية العظمى من اللاجئين مأوى لها في دول الجوار، وامتدت في السنوات الأخيرة لتشمل أغلب قارات العالم، حيث وصل عدد اللاجئين في مختلف دول العالم إلى حوالي 11 مليون لاجئ. ومع استمرار تدفق اللاجئين السوريين سنة 2016، أصبحت الدول المستضيفة تواجه تحديات وظروفا اجتماعية واقتصادية صعبة، حيث وجهت وكالات الأممالمتحدة والمنظمات غير الحكومية نداء جديدا لتوفير 4.69 بليون دولار أمريكي من أجل مواصلة القيام بالعمل الحيوي لدعم اللاجئين السوريين والبلدان المضيفة على مدى السنتين القادمتين. الأزمة السورية تعيد عجلة الإقتصاد عقودا إلى الوراء أعادت الحرب الدائرة في سوريا عجلة الاقتصاد عقودا إلى الوراء، وذلك بعدما كان يصنف اقتصادها في السابق على أنه اقتصاد "واعد"، فقد تعرضت سوريا خلال الأزمة لعقوبات وحصار اقتصادي كبير، وشهد الدولار أثناءها ارتفاعات مستمرة، قابلها هبوط واضح في قيمة الليرة السورية، وإرتفاع جنوني في أسعار بعض السلع والمواد، مع فقدان بعضها، وشحها في أحيان أخرى. ووفقا لتقرير للأمم المتحدة فقد أدت هذه الأزمة إلى ارتفاع نسبة الفقراء لتفوق 80% من مجموع السكان. وقدر "المركز السوري لبحوث السياسات" خسائر الإقتصاد السوري حتى نهاية العام 2015 بنحو 254 مليار دولار أي ما يعادل 468 % من الناتج الإجمالي المحلي لعام 2010.