صادف أن برمج عروسان عرسهما مع مباريات المونديال بين الجزائر وسلوفينيا، لكن المدعوين للعرس اعتذروا عن الحضور بسبب المباراة طبعا، مما جعل العريس يعدهم، بتنصيب أجهزة التلفزيون في القاعة التي سيقام فيها العرس حتى لا تفوتهم مشاهدة المباريات·· بالفعل، تمت الأمور كما اشتهى العريسان، وهذا طبعا حسب رواية إحدى المدعوات ''إرتأيت عند جلوسي على طاولة الأكل أن أعطي بظهري للشاشات، خاصة وقد كانت الطاولات تحوي أنواعا شهية من الأطعمة كالكافيار والسلمون المدخن وغيرها من أنواع الأكل الراقية والغالية والتي لا تتوفر في جميع الأعراس''·· ثم تصف محدثتنا كيف تصادف بدأ إطعام الناس مع انطلاق المباراة، فتقول: ''كان المنظر مثيرا للغاية، وكأنه فيلم لشارلي شابلين·· لقد نسي الناس (تصديرة) العروسة ولذيذ الأطعمة، وركزوا أنظارهم على الشاشات، ثم بدأ أغلب الرجال بالصراخ والقفز هنا وهناك، في حين ركز أغلب النساء على نقد العروسة والتهام الأكل بكل روية وتهكم·· وكنت أنا من بينهن، خاصة وأنها المرة الأولى في حياتي التي رأيت فيها هذه الأنواع من الأكل الراقي، فالتهمتها بلهفة دون أن أخشى رقابة أحد، فكلهم كان مشغولا بالمباريات··''· الجميل في هذه القصة، أن السيدة كانت جدية ومتحمسة في روايتها، والأجمل من ذلك هو أنها كانت تحكيها وهي ''ميتة بالضحك'' معتقدة أنها أذكى خلق الله، وأنها ضحكت على الجميع وخاصة عندما تقول: ''لقد كان انبهار المدعوين بأجهزة التلفزيون، هو نفس انبهار غالبية النساء بالتمتع بالأكل، وحتى العمال الساهرين على الضيوف رتبوا كل المأكولات مرة واحدة واختفوا··''· دقة هذه السيدة في تصوير الأشياء وبراعتها في تقليد الحركات جعلني أرتبط بالقصة بقوة، بل وبدأت أطرح عديد الأسئلة التي كنت أريد من خلالها معرفة نهاية القصة، أي العرس·· قالت راويتنا والعهدة عليها: ''ما إن انتهت المباريات حتى عاد الجميع إلى الطاولة، وبدأوا يأكلون دون توقف عن الكلام ولا عن النرفزة·· كانوا يأكلون بنهم شديد دون إدراكهم بأن الشربة قد بردت والمشروبات قد سخنت والمقبلات قد انتهت و·· و·· وكأنهم يملؤون بطونهم فقط، فالغضب الذي كان قد أصابهم من الخسارة·· حجم في وصف الأرجل واللكمات وصفارات الحكم، بلغة حادة وأحيانا وقحة، بينما كانت النساء تضحكن وتصفقن مما كان يزيد من غيض الرجال·· ولم يستفيقوا من تلك المناقشات السفسطائية إلا على وقع الطبول وأنغام الزغاريد المرافقة للعريسان وقد تركا القاعة''· إن كانت هذه الصورة حقيقية مثلما روتها هذه المرأة التي أقسمت على حدوثها، فمعنى ذلك أن الإنسان الجزائري مهما كانت طبقته قد أصبح مهووسا بالكرة، وأن ذلك الهوس قد يؤدي به إلى نسيان نفسه في حالات القرح مثله في حالات الفرح، وهنا يمكننا القول ''الحمد لله أن الجزائر ليست في حالة حرب'' وإلا··؟