كان لوكك الخاص··· دائما بالبرنيطة وصوتك المتهدج، وابتسامتك التي غالبا ما تتحول إلى ضحكة متهادية ومجلجلة·· دائما بنظراتك الساخرة والمليئة بالتحدي، ودائما بخرجاتك الإعلامية الصاخبة والمثيرة في غالب الأوقات للجدل العنيف والسجالات الهادرة·· كنت تجد لذتك الكبرى في إثارة الزوابع·· ناصرت اليسار إلى أقصى الطريق ولم تكن يساريا بالمعنى الحزبي واليساري المتشدد··· كنت على يسار جبهة التحرير، لم تغادر حزبك إلى غاية وقت متأخر، من موت جبهة التحرير وموت اليسار بعد السقوط المزلزل لجدار برلين والمجموعات الاشتراكية·· كنت لا تقيم جدارا بين الكتابة والموقف·· كنت غرامشيا بمعنى من المعاني·· الرواية بالنسبة إليك كانت سلاحا للتغيير·· سلاحا في سبيل الانتقال خطوة إلى الاشتراكية·· حلمت بها كثيرا، هذه الاشتراكية ركبت صهوتها وتقدمت أنصارها إلى حيث الأضواء، وحيث الصراع المكشوف على حلبة السياسة والإيديولوجيا··· التقيتك لأول مرة بينما كنت صحفيا في مجلة أضواء الأسبوعية··· كنت في مقر اتحاد الكتاب رفقة عمي الطاهر بن عيشة·· سألتني إن كنت أنا الذي أمضي المقالات الأدبية في أضواء، وما إن أجبتك، حتى وضعت يدك على كتفي، وقلت لي، ''تعجبني مقالاتك النقدية'' طبعا، أنا ابتهجت للشهادة·· كنت بالنسبة لي منارة، ومرجعا يستحق التقدير الدائم·· عرّفتني يومها على الشاعر المصري الفذ، أحمد فؤاد نجم·· وسألتني عن علاقتي بكاتب ياسين الذي كنت تحترمه·· قلت لك أنني تعرفت عليه بسيدي بلعباس··· وأنني أشتغل معه على نصوصه الأخيرة حول الثورة الفرنسية ومانديلا··· تأسفت لأنه توقف عن كتابة الرواية··· وقلت لي، أن كاتب ياسين وضع معجزته نجمة، وأنت ''اللاز'' كتحد أمام الأجيال القادمة··· واعترفت لي، أن الكثير من الكتاب يكرهونكما يحقدان عليكما لأنكما خلقتما نوعا من عقدة، اسمها عقد التجاوز أمام من جاء من بعدكما··· بقيت أنصت إليك ولم أعلق··· في اليوم التالي، دعوتني إلى بيتك في حيدرة، ويومها، شربت معك رفقة رفاق آخرين، لأول مرة نبيذا أحمر··· جاء في المساء إلى بيتك العديد من الفنانين والمثقفين والإعلاميين··· وكان ذلك اللقاء عبارة عن اجتماع لمجموعة أطلقت على نفسها، جماعة ''رايس'' أي تجمع المثقفين والفنانين الجزائريين··· كان هذا غير قانوني وغير شرعي، لأننا كنا نعيش أحادية في كل شيء، في السياسة والثقافة والإيديولوجيا على صعيد رسمي·· معظم من كانوا في التجمع، ينتمون إلى حزب الطليعة الاشتراكية الشيوعي، وإلى اليسار المتطرف·· حضرت آنذاك الصحفية بجريدة الجزائر الأحداث مليكة عبد العزيز، وقاضي احسان، والسينمائي بن ابراهيم ومحمد خدة وعبد الرحمن جلفاوي والراحل صادق عيسات والشاعر يوسف سبتي·· وكانت السهرة متمحورة حول إنشاء كتلة تطالب بالحريات وإطلاق سراح المساجين السياسيين والتوجه نحو التعددية والمزيد من الشفافية·· انتهت السهرة/ اللقاء على الساعة الثانية صباحا··· أخذت الكلمة، كنت تؤكد على استقلاليتك وعلى تاريخ انتمائك إلى جبهة التحرير، وفي الوقت ذاته كنت مفتخرا بيساريتك، وكان الجمع ينصت إليك·· كنت بالنسبة لهم صاحب ''اللاز'' و''الزلزال'' و''الحب والموت في الزمن الحراشي''·· دعني أعود إلى كتاباتك الأولى·· لم أتعرف عليك يوم كنت على رأس جريدتك الخاصة ''الجماهير'' التي رأت النور في زمن الرئيس الأول أحمد بن بلة··· ببساطة لأنني كنت في سنوات حياتي الأولى··· لكن قرأت الطعنات، وكانت اكتشافا جميلا بالنسبة إليّ، فتحت عيوني على أدب جزائري مكتوب باللغة العربية·· كانت مجموعة الطعنات تعرية قاسية لجزائر ما بعد الاستقلال·· جزائر كانت تبحث عن طريقها في ظل لحظة جريحة وموبوءة في الوقت نفسه··· كان آنذاك صوتك عبارة عن خنجر يقترب من كل مكامن الجسد الفاسدة·· كان آنذاك صوتك نذيرا لما يمكن أن يحدث لو استمر الإخوة في تدمير الذات التي أخرجت جريحا من أتون حرب مزلزلة ومليئة بالأشباح والضلال والكوابيس···· كانت الطعنات طعنة في جسد كان عليه أن ينتفض من جديد، أن يتجاوز نفسه وأمراضه، وأن يطل كالعملاق من رماد ذاته··· ''اللاز'' كانت إطلالة على الزوايا الخفية للذاكرة الطازجة ذاكرة حرب التحرير·· كل نفسك، كل وجدانك، كل حبك وغضبك، كل ألمك ومعاناتك وضعتها في اللاز··· وكان من الصعب عليك بكثير أن تتجاوز لازك يا سي الطاهر··· وهذا ما ظل يعذبك ويؤرقك ويدفع بك إلى الرقص على أرض غير أرض الإبداع الأصيل····