يصنع التصنيف الذي وضعته السلطات السعودية لبعض الجماعات في قائمة الإرهاب الحدث ليس من حيث تنوع الجماعات الواردة في القائمة، ولكن التناقض والتضارب في وضع جماعات لا تحمل نفس التوجه أو التصريح بالتوجه فمن "داعش" و "النصرة" التي تتبنى العمل المسلح كأسلوب للتغيير إلى "الإخوان" كجماعة تصرّح برفض حمل السلاح واتخاذه وسيلة للتغيير. وعلى الرغم من أن النظام السعودي لم يكن يُكِن العداء لحركة الإخوان على الأقل في الظاهر، وتاريخيا كانت العلاقات تتسم بالتقارب في أحيان كثيرة، ولم يكن الفكر "الإخواني" يعادي التوجه "الوهابي" بل العكس هو الصحيح، فالفكر الإخواني يتقاطع مع الطروحات "السلفية" في الكثير من المواقف السياسية التي استدعت التبرير الديني لا سيما أثناء التواجد الروسي في البلاد الأفغانية وما وقع من تحالف، ثم أخيرا تطابق المواقف في النظر للأزمة السورية...إلا أن هذه التقاطعات لم تشفع لحركة الإخوان أن تكون خارج التصنيف السعودي للإرهاب، الذي فاق التدقيق المعياري للتصنيف الأمريكي. والملاحظ في هذا التصنيف من حيث المبدأ تناقض مواقف الدولة السعودية، حيث أن "داعش" و "النصرة" كانتا في الأساس صناعة سعودية من حيث التأييد، فقد استفادتا من الدعم المادي والمعنوي من أجل تغيير النظام السوري بالقوة، بما ضخّته دول الخليج وعلى رأسها السعودية من أموال طائلة وأسلحة مختلفة إلى سوريا من أجل تغليب كفة الجماعات المسلحة على الأرض، إضافة إلى الدعم المعنوي باستصدار مجموعة من الفتاوى تبرر الخروج على الحاكم الظالم الذي لا يجوز الخروج عنه في حالات أخرى، وتبديع وتكفير مؤيدي النظام السوري وعلى رأسهم حزب الله، وكذا حشد النصرة السياسية من عرب ونصارى وأمريكان ... و استنفار الشباب كوقود لهذه الحرب واستغلال حماسهم وعاطفتهم الدينية كما استُغِلت من قبل في أفغانستان والعراق وليبيا وغيرها... لعل الناس في كثير من الأحيان يُصابون بالنسيان، لكن ربط الأحداث ببعضها البعض وملاحظة خلفيات المواقف يعطي الانطباع أن فكرة "الجهاد" كانت دائما تتم بمباركة دينية سعودية وبدعم مادي من نفس الجهة، لكن بالمقابل لا تقبل انتشار هذه الفكرة بين أفرادها وعلى أرضها، فلم نسمع أن القاعدة أو غيرها من الحركات "الجهادية " اتخذت الحجاز أو الخليج كأرض للنشاط بالرغم من أن هذه الحركات لا تُسالم أحدا، كما أن السعودية كثيرا ما تتراجع عن تأييد هذه الحركات عندما تقترب من أداء دورها وانتهاء عمرها الافتراضي، فقد أصدرت السلطات السعودية قبل أسبوعين قرار يقضي بمعاقبة كل من يثبت تورّطه في أعمال "جهادية" وبالتالي غلق الباب في وجه إمكانية تسرّب عناصر "جهادية" سعودية إلى الأرض السعودية ودعمت هذا القرار المؤسسة الدينية السعودية بعد ذلك والتي اعتبرت هذه الجماعات بما فيها الإخوان حركات منحرفة... وليس مستبعداً أن يتم استنفار الشباب إلى أرض مسلمة أخرى ودعوته إلى "الجهاد" فيها، ولِمَ لا تكون هذه الأرض هي "شبه جزيرة القرم" لتخليصها من أيد الروس، لندخل مرحلة نفير أخرى بالوكالة لحساب أمريكا التي كادت تخسر الحرب في سوريا فتم خلق بُؤرة توتّر لروسيا بالقرب من حدودها حتى يتم ابتزازها مقابل تخليها عن سوريا... الغريب أن الإسلام السعودي لا يفكر في الاستنفار لنصرة مسلمي إفريقيا الوسطى الذين يتعرضون لإبادة يومية ولا يفكر ذات الفكر "الإسلامي" في تجنيد ودعم الشباب لتنفيذ العمل الجهادي في إسرائيل التي هي على مرمى حجر من سوريا. الحرب على الإرهاب التي هي مرحلة جديدة في العلاقات الدولية بعد نهاية الحرب الباردة ومنذ أحداث 11 سبتمبر في سياق الهيمنة والتمكين للأحادية القطبية -أين تم خلق القاعدة التي عبرت القارات في ظرف وجيز- بدأت تتراجع بعد تنامي الدور الروسي وظهور قوى جديدة فاعلة تحاول أن تنافس وتكسر حاجز الهيمنة وتصنع عالم ما بعد الحرب على الإرهاب، لكن أمريكا وحلفاؤها يصرون على تمديد عمر هذه المرحلة باعتبارهم المستفيد الأول منها، لكن ما يلاحظ أن أمريكا تستخدم الأنظمة الموالية في الخليج من جهة و الإسلام السياسي التصادمي من جهة أخرى لتحقيق هذا المسعى... لذلك ليس غريبا أن تكون مناطق التوتر في العالم الإسلامي هي المناخ الأمثل لتنفيذ هذه السياسة وتستغل فيها الأيدي البريئة التي تنشد تغيير واقعها وتحقيق أحلامها بانتصارات لن تكون أبدا، ولو وجدت أمريكا وحلفائها الخليجيين سبيلا إلى خلق أقلية مُسلمة في كوريا الشمالية و فنزيلا وكوبا .... تحشد لها الشباب "للجهاد" لفعلت.