ضرورة ردّ الاعتبار لقصر تماسين الذي يتعرّض للاندثار مايزال توافد الزوار من مختلف ولايات الوطن على رواق باية بقصر الثقافة مفدي زكرياء مستمرا للاستمتاع بمعرض صور خاص بمنطقة تماسين، حاضنة ثاني مزار روحي للزاوية التجانية بالجزائر الواقعة بولاية ورقلة، حيث سيدوم المعرض الذي نظمته الأستاذة والأكاديمية قديم مليكة الموسوم ب»الأنثروبولوجيا المرئية لتماسين «1920 - 2022» إلى غاية 31 أوت الجاري. أجمع الحضور على عدم اعتبار الفعالية سانحة وثائقية اختزلتها 60 صورة للتعريف بمنطقة «تماسين» فحسب، بل أكدوا على أن المعرض بصوره والكتب المعروضة والأدوات التقليدية هو بمثابة رحلة عبر الزمن، من خلالها يكتشف الزائر كل ما يحيط بمعالم وخصائص ومقومات بيولوجية واجتماعية وثقافية لمنطقة تماسين، سواء في الماضي السحيق، أو الماضي القريب أو الحاضر. مائتي زائر للمعرض استقطب الافتتاح الرسمي لمعرض «الأنثروبولوجيا المرئية لتماسين 1920 2022، عديد الشخصيات الوطنية من أكاديميين وإطارات سامية وما يفوق 150 زائر، حيث عرف الحدث على غرار حضور ممثل الخليفة العام للطريقة التجانية الأستاذ تنوم والدكتور العيد التجاني ممثل شيخ الطريقة التجانية - زاوية تماسين، كل من رئيسة الاتحادية الوطنية للنساء الجزائريات نورية حفصي والقائد العام لقدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية مصطفى سعدون، وأبناء سيدي الحاج علي التماسيني وأعيان الطوارق ومقاديم الشيخ في الجزائروبسكرة والوادي، إلى جانب توافد منقطع النظير للزوار القادمين من الجزائر العاصمة، البليدة، تيبازة، بومرداس، بسكرة، تقرت، تماسين، ورقلة والوادي.. عمل تضافرت فيه الجهود أشارت الأستاذة مليكة قديم في كلمتها بمناسبة افتتاح فعالية معرض «الأنثروبولوجيا المرئية لتماسين»، الذي يضمّ 60 صورة فنية كل واحدة منها مصورة على زمنين مختلفين للمنطقة، والتي بدورها تمثل إرثا وطنيا جزائريا بصفة عامة وفي نفس الوقت موروثا ثقافيا صحراويا بصفة خاصة، إلى كل من ساهم ووقف على إنجاح أول معرض لها». وقالت «أحيي عبر هذا العمل الذي لم يكن عملا فرديا، بل تجسّد بتضافر جهود أسماء يعود لهم الشرف في تنظيمه على أرض الواقع، من بينها الأستاذة وقواق حكيمة وآخرون اشتغلوا في الظل، حيث إن الصور جاءت لتروي حياة تماسين، بإنسان تماسين وبروحانية تماسين من خلال الزاوية التجانية عبر هذا القصر العظيم الذي مرّ به فنانون ورسَّامون وكُتَّاب أكبر من اسمي، لكن بكبر روحانية تماسين بفضل زاويتها كان لها هذا الوقع، وصنعت بمحتواها هذا الحدث الثقافي المميز».. وفي ذات السياق، شكرت المتحدثة الحضور على الأسئلة التي كانت على هامش افتتاح المعرض، والتي تدل تقول على «استحضار عمق أصالة وتاريخ واحدة من مناطق الوطن في تفاصيل واقعكم المعاش، وعلى حبكم لمنطقة تماسين وبأبعادها الثلاثة السياحية، التاريخية والروحية». أما مدير قصر الثقافة احسن غيدة، في كلمة وجيزة رحب بالحضور، ونوّه بالمناسبة بالدور المنوط بإدارة القصر خلال الفعالية التي تستمر إلى غاية أواخر شهر أوت الجاري، واصفا إياه بالمرافقة، فيما ذكر أن الجهد الحقيقي يعود للمشرفين على المعرض، وعلى رأسهم الدكتورة قديم مليكة التي كان لها الفضل في هذا العمل الجبار المعروض في هذا الرواق، كما ختم بتجديد الدعوة لكل الزوار القادمين من مختلف ولايات الوطن لتقصي ملامح الهندسة المعمارية لتماسين، لاسيما تراثها الصحراوي الأصيل». سياحة روحية لمعالم تماسين بين الماضي والحاضر فيما تمحورت كلمة كل من الممثل الرسمي لشيخ الطريقة التجانية بزاوية تماسين الدكتور سيدي العيد التجاني وسيدي منصف التجاني، حول العمل المنجز الذي يعكس جهود شخوص أفاضل أخذوا على عاتقهم إبراز منطقة تماسين عبر 60 صورة تمّ التقاطها خلال الفترة الممتدة من 1920 إلى 2022، والتي بدورها تحكي التباين الحاصل فيهما، كما أشار الدكتور العيد التجاني إلى أن العمل قد تمّ بتوجيه من شيخ الطريقة التجانية لزاوية تماسين سيدي محمد العيد التجاني، الذي نسق مع الدكتورة مليكة قديم للتعريف بالمنطقة مع التركيز على المراحل التي عرفتها في الماضي ولاسيما الحاضر». وفي سياق متصل ذكر سيدي منصف التجاني في كلمته المقتضبة «أن المار بين الصور سيشعر بأنه في جولة سياحية في تماسين القديمة في «الشحيمة»، «بودرهم»، في «حي مينج»، في «سيدي احمد أكديد»، «تملاحت» أين ولد وتوفي سيدي الحاج علي التماسيني، وأضاف بأن الزائر سيكتشف أيضا الجانب العلمي لتماسين من خلال المدرسة القرآنية والجامع، إضافة إلى الجو الروحاني الذي يتخلل يوم الجمعة، وما تحمله قدسية هذا اليوم المبارك من ذكر «للهيللة والوظيفة والمعلوم»، وكيف كانت الساكنة تزاول دراستها، وكيف كان طلاب العلم يرتحلون إلى جامع الزينوتة بتونس بغية التحصيل العلمي وحيازة شهادات في الدراسات العليا، وسيلاحظ أيضا جليا التطوّر الفني المعماري للمنطقة التي تحتاج إلى تعديلات حثيثة على هياكلها. دعوة لترميم القصر القديم بتماسين وبالمناسبة، رفع المتحدث على ذكر ما آلت إليه وضعية قصر تماسين القديم نداء لمعالي وزيرة الثقافة بحضور مستشار الوزارة كديدي عبد الجليل لترميم القصر القديم بتماسين، مشيرا إلى أنه ليس ملك للزاوية التجانية فقط، وإنما هو ملك للإنسانية، وملك تملاحت ككل، كما استغل الفرصة ليثمن ما قام به الباحث والمهتم بتراث المنطقة الأستاذ عبد الباسط قادير، الذي وضع بصمة عريضة في إقامة المعرض، حيث ساهم يقول بالصور المعروضة بشكل كبير، والتي «للأمانة هي في الأصل تعود ضمن الوثائق التي تزخر بها خزانة جده رفيق سيدي الحاج علي التماسيني رضي الله عنه وأرضاه». إبراز جماليات الصورة بشقيها الجامد والمتحرّك وفي ذات الصدد وخلال حديثها مع «الشعب» صرّحت الأستاذة مليكة قديم أنها قدمت عبر صورها تأثير صفة الجمود والحركية، حيث ركزت على المناظر مثل مدينة تملاحت أين يوجد القصر الذي بني سنة 782، مشيرة إلى أن هذه المنطقة حاضنة مقر الزاوية التجانية الرابضة على المعنى الحقيقي لإحياء الفكر البشري، والتي بدورها تعد أقوى نموذج روحي قد يستغله الفرد ليكون له منهج حياة، هذا بالإضافة إلى البحيرة وما جاورها من منبع الماء العذب وواحات، وغيرها من الصور المتراصة في رواق باية. كما أضافت مليكة قديم باحثة في الاتصال والإعلام ومختصة في تأثير الصورة الجامدة والمتحركة بمركز البحوث العلمية الأساسية والوساطات بجامعة لورين بميتز (فرنسا)، أنها تحاول أن تقرب تفاصيل كل صورة للمتلقي من خلال أنثروبولوجيا المنطقة، وأن تثير الفضول لديه وتدفعه إلى اكتشاف جماليات هذا القصر الواقع بتقرت، من خلال عدة عناصر مهمة مثل المرأة وتقاليد الفروسية في المنطقة، إلى جانب المعمار ومواد البناء القديمة، ناهيك عن مسجد تماسين وضريح كل من سيدي الحاج علي التماسيني والحاج عبد الله المغراوي. وفي سياق متصل، طاف بالمعرض القائد العام لقدماء الكشافة الإسلامية الجزائرية مصطفى سعدون، والذي ثمن من خلال عرض شروحات للزائرين من طرف الباحث عبد الباسط قادير حول أهم المعالم الأثرية في بلدية تماسين هذه المبادرة، ودعا إلى تنظيم هذا المعرض في عدة أماكن أخرى في الجزائر العاصمة، خاصة الآهلة بالسكان مقترحا على سبيل المثال شارع العربي بن مهيدي المعروف بالحركية الدائمة من طرف المواطنين، من أجل التعريف أكثر ببلدة تماسين العريقة وبموروثها الحضاري، لاسيما الأماكن الأكثر رواجا وتردد السكان عليها في كل ولايات الوطن. شروحات وافية لزوار المعرض وفي ذات الصدد استقبلت الباحثة مليكة قديم وزيرة الثقافة والفنون الدكتورة صورية مولوجي في معرض الأنثروبولوجيا المرئية لتماسين، حيث قدم لها الدكتور أحمد غريسي شروحات حول المعرض وأهدافه وأسباب اختيار بلدية تماسين كنموذج للعرض، ومن جهتها أشادت الوزيرة بهذه المبادرة وبمسؤولة المعرض والفريق المنظم، كما قدّمت مجموعة من الأفكار والملاحظات التي تزيد المعرض تأثيرا وبيانات، كما عرف المعرض على غرار حضور الممثل الشخصي للخليفة العام للطريقة التجانية الأستاذ الفاضل تنوم، الذي استمع لشروحات خاصة ومفصلة من الأستاذة مليكة حول فكرة معرض الأنثروبولوجيا المرئية لبلدة تماسين، وشخصيتين من أعيان الطوارق، حيث طافت بهما بين أيضا أرجاء المعرض حيث استمعا لتاريخ هذه المنطقة العريقة من خلال الصور المعروضة، إلى جانب كل من ممثلة المرأة الجزائرية ورئيسة الاتحادية لوطنية للنساء الجزائريات حفصي نورية، والأستاذة بلواضح ليندة المختصة في الشؤون القانونية والدكتورة مقيدش فريدة بجامعة الجزائر. كتب ومؤلفات حول الطريقة التجانية للإشارة، تخلل الفعالية عرض كتب ومؤلفات حول الطريقة التجانية تتحدث عن أعلام ومشايخ مجاهدين وعلماء أجلاء، تركوا بصمات في تنوير العقول وتصفية النفوس، من خلال إصدارات تستحق أن تكون نبراسا ومنهاجا للحياة، كما عرف المعرض جلسة تصويرية لحوار أكاديمي حول تاريخ منطقة تماسين وأبرز معالمها وعاداتها وتقاليدها، جمعت الأستاذة مليكة قديم مسؤولة المعرض والدكتور أحمد غريسي والباحث والمهتم بتراث المنطقة الأستاذ عبد الباسط قادير، حيث رفع الباحث عبد الباسط قادير في ختام هذه الجلسة انشغاله إلى الجهات الوصية بأهمية ترميم قصر تماسين الذي يتعرض يوما بعد يوم إلى الاندثار، ورفع التجميد على الأرصدة المالية المخصّصة له، والترميم العاجل للمعلم الأثري الهام مسجد القبة الخضراء بالقصر.