أكد المدير العام لمركز البحوث القانونية والقضائية فارح رشيد، أن تدوين وتوثيق الأعراف يعد أكثر من ضرورة بوصفها ميراثا مشتركا للمجتمع وكنزا تاريخيا يتطلب مزيدا من الاهتمام، مبرزا الحاجة إلى المبادرة بها وتجسيد معالجة الأعراف بأسلوب علمي من باحثين متعددي التخصصات. دعا المدير العام لمركز البحوث القانونية والقضائية في كلمة له في ملتقى نظم، أمس، بمقر إقامة القضاة، حول العرف وأثره في تطوير التشريع، إلى جمع تدوين العرف على المستوى الوطني في شكل مدونة تتاح أمام الجمهور، مضيفا أن العرف باعتباره مصدرا من مصادر القاعدة القانونية فإن القاضي يجد نفسه ملزما باللجوء إلى العرف لتفسير وتكملة النص القانوني الغامض ولسد القصور التشريعي. وقال، إن عدة تساؤلات تطرح حول كيفية تطبيق العرف من طرف القاضي المدني والقاضي التجاري وقاضي شؤون الأسرة، بين اعتباره مصدرا رسميا احتياطيا ومصدرا تفسيريا أو مكملا لعدة نصوص قانونية تجد أصلها المادي في الأعراف، مشيرا إلى أن مسألة إثبات العرف تحول دون تطبيقه في الحالات التي يسمح بها المشرع. وأوضح المدير العام لمركز البحوث القانونية والقضائية، أن إثبات وجود العرف يقع على القضاء ومن ثم حسن تطبيقه، خاصة وأنه يخضع لرقابة المحكمة العليا بخلاف العادات الاتفاقية التي يعاملها المشرع معاملة الواقعة ويعتبر تطبيقها مسألة موضوع لا رقابة للمحكمة العليا عليها. من جهته أبرز الدكتور أحمد جعفري، من الجامعة الإفريقية أحمد دراية بأدرار، في مداخلة له، أهمية مدونة الأعراف الجزائرية والآليات والمناهج المعتمدة لتحقيقها وأهمية جمع وتدوين الأعراف على المستوى الوطني باتباع أساليب علمية، على غرار تنظيم مقابلات وتسجيل الملاحظات من خلال تشكيل فرق علمية تضم باحثين من مختلف الاختصاصات العلمية. كما أشارت الأساتذة بكلية الحقوق والعلوم السياسية الدكتورة حساين سامية، إلى أن العرف التجاري يعد حلا قضائيا ولكن لا توجد آليات إثباته، قائلة إن هناك من الأعراف التي يصعب من النص التشريعي معالجتها بطريقة سلسة، مما يستدعي تعزير مكانة العرف في النصوص القانونية وإعادة تفعيل المؤسسات العرفية. وأكدت أن وضع مدونة وطنية للعرف يعد ضرورة لابد منها، من أجل تمكين القاضي من الاطلاع عليه وتمكن المتقاضين من إثباته أمام القضاء، بالإضافة إلى أن تدوين العرف من شأنه أن يساهم في تمكين المحكمة العليا من بسط رقابتها على مدى التطبيق السليم للعرف. بدوره يرى الأستاذ بكلية الحقوق والعلوم السياسية سعيد بويزي، أن الأعراف بحاجة إلى ضبط ومعالجة فطنة، كون بعض الأعراف تصطدم بالنصوص القطعية وتنوعها في بلادنا يتطلب التدوين، مضيفا أن التخوف من الأعراف يفوق القوانين والتشريعات باعتبار أن جزاء العرف سريع. وتابع الأستاذ بوزري، بأن المؤسسات العرفية ليست بديلا عن القضاء ولكنها كنز تاريخي لا يمكن الاستغناء عنه، خاصة وأن النصوص واضحة الدلالة عملا بقواعد وأحكام الشريعة الإسلامية، مما يستدعي ضبط المصطلحات والقراءة الذكية للتاريخ. من جانبها دعت الدكتوره سمية بهلول، من جامعة محمد لمين دباغين، إلى تعزيز مكانة العرف في المنظومة الوطنية، من خلال دسترة العرف بنص صريح، بالاضافة إلى تدوين العرف وفقا لأسس علمية واضحة، مشيرة إلى أن العرف يعد أقرب للمجتمع من القاعدة القانونية ومن الضروري إيلاءه أهمية خاصة وانه يعتبر مصدرا رسميا للقاعدة القانونية.