أكد الباحث نبيل عاشوري، دكتور في العلوم السياسية ومتخصص في قضايا الهجرة، أن الجزائر تعيش على وقع ثنائية التأثر والتأثير بخصوص ظاهرة "الحرقة" التي تعرف تزايدا كبيرا بتزايد محفزاتها، ما يتطلب البحث عن أهم الآليات الممكنة لمجابهة هذه الظاهرة التي تشكل حسب قوله خطرا كبيرا على جميع فئات وشرائح المجتمع، في ظل تزايد خوض الأشخاص في رحلات أشبه بما يسمى رحلة الموت، فيسلكون أصعب المسالك وأخطرها، ويقطعون جميع روابطهم بالأهل والوطن والماضي. أوضح الباحث نبيل عاشوري في حديثه إلى "الشروق"، أن ما حفز ونشّط هذه ظاهرة "الحرقة" في الفترة الأخيرة هو حالة الرفاه الاقتصادي والاجتماعي والاستقرار الأمني في أغلب الدول الأوروبية، خاصة دول الاتحاد الأوروبي، على عكس الظروف الاجتماعية السيئة والأوضاع الاقتصادية المتردية وعدم الاستقرار الأمني والسياسي التي لا تشجع على مثل هذه الخطوات، وقال محدثنا الذي ناقش مؤخرا أطروحته حول "حوكمة الهجرة في منطقة المتوسط"، بأن التطور التكنولوجي ووسائل الإعلام والاتصال والمواصلات الجديدة في تزايد حدة وسرعة في نشر المعلومات ونقلها ومشاركتها، خاصة المعلومات المتعلقة بالمزايا التي تزخر بها مختلف الدول والأقاليم التي تحفز على الهجرة إليها، كما أدت هذه الوسائل إلى تسهيل عمليات تنقل الأشخاص والتواصل بينهم عبر مختلف أنحاء العالم. بهذه الآليات يمكن الحد من ظاهرة "الحرقة" ويرى الدكتور نبيل عاشوري أن هناك مقاربتين أساسيتين يتم من خلالهما التعاطي مع هذه الظاهرة من قبل الدول، فالمقاربة الأولى تصور حسب قوله الحرقة (الهجرة غير الشرعية) كمصدر تهديد لأمن الدول المستقبلة بمختلف قطاعاته، وذلك عبر تزايد نسب الجريمة والإرهاب، والتهديد ضد البنية الاجتماعية للدول المستقبلة، وكذلك المساس بالأمن الهوياتي والثقافي، أما المقاربة الثانية، فتصور الهجرة حسب نبيل عاشوري كعامل تنمية ورافعة إيجابية للتنمية والتطوير في اقتصاديات الدول المصدرة والمستقبلة على حد سواء، حيث إن هذا الشخص "الحراق" بمجرد وصوله إلى مقصده حسب محدثنا سيحاول العمل في مختلف المجالات المتاحة له، بذلك يوفر يدا عاملة للدولة المستقبلة التي توجهه نحو القطاعات التي تعاني عجزا في اليد العاملة، فبهذه الطريقة تستفيد منه الدول المستقبلة، أما الدول المصدرة فهي تنتفع منه حسب نبيل عاشوري من خلال التحويلات المالية التي يقوم بها نحو أهله، التي تستغلها في نشاطات مختلفة كالبناء والاستثمار، وفي بعض الأحيان يستفاد من خبرته المكتسبة في بلد المهجر خاصة بعد تسوية وضعيته. من جانب آخر، يرى الباحث نبيل عاشوري أن هناك عدة آليات متبعة للحد ومجابهة هذه ظاهرة "الحرقة"، حيث إن هناك الآليات القبلية والبعدية، لكن الفرق بينهما حسب الباحث نبيل عاشوري ذو أهمية بالغة، معتقدا أنه يجب التركيز على الآليات القبلية، وفي مقدمة ذلك الآليات التنموية التي تهتم بدرجة كبيرة على تطوير المجالات التنموية لمجتمعات الدول المصدرة، خاصة في الجانب الاقتصادي والاجتماعي، وبذلك يمكن معالجة أسباب ودوافع الهجرة "الحرقة" من جذورها، لأن الدول حسب محدثنا عند معالجتها لظاهرة "الحرقة" بعد حدوثها تكون أكثر استغراقا في التعامل مع أعراض الظاهرة وانعكاساتها وليس مسبباتها. الأمن والعقاب غير كافيين إذا لم يحدث تعاون متعدد الأطراف والمستويات وخلص الباحث نبيل عاشوري إلى القول بأن الإدارة الفعالة لقضية الهجرة "الحرقة" تتطلب تعاونا متعدد الأطراف (الدول، المنظمات غير الحكومية، المجتمع المدني) ومتعدد المستويات (يشمل جميع المستويات الوطني والإقليمي والدولي)، مضيفا أن المبادرات أحادية الأطراف أو أحادية المستوى تبقى غير كافية، إذ إن التركيز على الآليات الأمنية والعقابية لوحدها غير كاف حسب قوله، مشيرا إلى ضرورة أن يتعداه إلى التركيز على الجوانب الاقتصادية والاجتماعية المحركة لظاهرة "الحرقة" لمعالجتها في جوهرها ومن جذورها. ومعلوم أن الباحث نبيل عاشوري الذي ناقش مؤخرا أطروحة الدكتوراه المعنونة ب "حوكمة الهجرة في منطقة المتوسط: مقارنة بين دور المنظمة الدولية للهجرة والاتحاد الأوروبي"، سبق له أن نشر عدة مقالات أكاديمية تصب في خانة الهجرة، من ذلك مقالة حول "جدلية الهجرة بين الأمن والتنمية"، و"حوكمة الهجرة في منطقة المتوسط"، و"قضية الهجرة في أجندة الأممالمتحدة لما بعد 2015: دراسة استشرافية"، وأخرى حول "حوكمة الهجرة في منطقة المتوسط: دراسة مقارنة بين الاتحاد الأوروبي والمنظمة الدولية".