الكلمات الحميمة التي أطلقها المدرب جمال بلماضي مع موقع الفاف، زادت من قدر الرجل كمدرب وكشخص له أهداف ويعمل على تحقيقها بهدوء ولكن بكل تأكيد، وجاءت هذه الكلمات بعد مرور سنة عن تتويجه بلقب القارة السمراء، ولا أحد منحه حظا ولو صغيرا عندما تسلم منتخبا جزائريا منهكا بالمشاكل ومنها سوء نتائجه وتكتلات في تشكيلته. عندما سافر جمال بلماضي بشكيلة من دون غولام ولا هني ولا غزال وتايدر وبن طالب وبلفوضيل وسوداني وغيرهم، وعندما راهن على بلعمري وبلايلي كأساسيين، هناك من تكهن بعودة الطائرة الجزائرية مباشرة بعد نهاية مباراة تنزانيا الثالثة في دور المجموعات، وحتى بعد المباراة الثانية من نفس الدور أمام منتخب السنغال، ولكن الرجل كان يخفي في قلبه إرادة لا تقاوم حولها للاعبيه عندما أفهمهم بأنه لن يعود إلى الجزائر إلا وبين يديه الكأس، وبينما كان المحترفون يسألون عن حرارة جويلية وأوت في القاهرة وعن قوة المنتخبات الإفريقية وشراستها واندفاع لاعبيها، أفهمهم بأن الباب مفتوح لكل من لا يريد المغامرة والكفاح لأجل هذا الهدف الكبير. وقسّم جمال بلماضي جهد اللاعبين عندما أنهى أول مباراة من الدور الأول أمام كينيا في الشوط الأول بهدفين من بونجاح ورياض محرز، وسيّر الشوط الثاني بذكاء وبأقل جهد، وفي مواجهة السنغال في المباراة الثانية كان غالبية اللاعبين وكأنهم لم يدخلوا بعد المنافسة، فقارع السنغال بدنيا وفي الشوط الثاني أجهزوا عليهم بالأداء وبالنتيجة، ليرسلهم إلى راحة طويلة فاقت الأسبوع بعد أن لعّب فريقا ثانيا في مواجهة تنزانيا. وفي اللقاء الرابع ضمن ثمن النهائي أنهى المباراة بسبب راحة اللاعبين مبكرا بهدفين من بلايلي ومحرز، ليستريح اللاعبون وتركوا للاحتياطيين دور الكفاح ومتمما الغلّة من آدم وناس، وبينما أثقل التعب كاهل بقية الفرق وخرجت أخرى من المنافسة ومنها منتخب مصر البلد المنظم، بدأ الخضر الدورة فعلا منذ الدور ربع النهائي أمام كوت ديفوار، فقاوموا من دون مشكلة لمدة 120 دقيقة وبعد تأهلهم إلى النصف النهائي، تفتحت شهيتهم ولعبوا من دون متاعب فيزيائية أمام نيجيريا إلى درجة أن المنتخب الجزائري ولعب تلك المباراة التاريخية ب 11 لاعبا من دون إدخال أي لاعب كاحتياطي، ليبلغوا الدور النهائي ضمن ملحمة كروية من دون أضرار، وفي المباراة النهائية رسم جمال بلماضي الفوز بالكأس مهما كانت الطريقة، وتحققت المهمة بنجاح كامل من مدرب اتفق الجزائريون وحتى المتتبعون بأنه هو صاحب الفضل الأول والأكبر في التتويج بهذا اللقب الكبير. حديث جمال بلماضي الأخير، أبان بأن الرجل يفكر في كل شيء ويحسب بطريقة استشرافية، فهو من المبتهجين بتأخير موعد كأس أمم إفريقيا لمدة سنة، ليس فقط من أجل التتويج بلقبها وإنما من أجل التحضير لمنافسة كأس أمم إفريقيا، لأنه يعلم بأن لعب سبع مباريات كاملة في الكان يعني التحضير بقوة لنهائيات كأس العالم، وسيدخلها المنتخب الجزائري في حالة تحقيق ذلك كقوة عالمية قادرة على إحداث المفاجأة وبلوغ الدور ربع النهائي أو نصف النهائي في بلاد يعرفها جيدا جمال بلماضي وفي توقيت نوفمبر الذي يعني الكثير بالنسبة للجزائريين. كل المؤشرات الرياضية والمعنوية توحي بأن الجزائر كسبت مدربا على مقاس شعبية الكرة وعشق المواطنين للمنتخب الوطني، ويمكن من الآن الجزم بأنه مدرب من طينة الكبار والأحسن ضمن كل المدربين الذين قادوا "الخضر"، وكل الإنجازات الكبيرة التي تحققت في عالم الكرة منذ الاستقلال يمكن منح جزء من أسبابها للمدربين ولكن في إنجاز 2019 يُحسب بنسبة كبيرة جدا لجمال بلماضي. فقد قاد مخلوفي أول أكبر إنجاز بميدالية المتوسط الذهبية أمام فرنسا في سنة 1975، وكان الفضل لبتروني ودراوي وبن قادة وسرباح و100 ألف متفرج ملأوا الخامس من جويلية، وشارك ثلاثي تدريب هم سعدان ومعوش وروغوف في إيصال الخضر لأول مونديال، وحقق خالف فوزا على ألمانيا في 1982 ولكن بلاعبين موهوبين على رأسهم ماجر وعصاد ودحلب، ويُحسب نجاح كرمالي وبعده سعدان في كان 1990 وملحمة أم درمان 2009 للجماهير الغفيرة التي لعبت مع الخضر ومنحتهم الانتصارات، ولكن في الفوز الأخير يمكن البصم بأن نجاح "الخضر" كان من صناعة خالصة لرجل ذكي ووطني ومغامر وشجاع ويتقن مهنته يدعى جمال بلماضي. ب. ع