أثارت الأحكام الأخيرة التي صدرت في حق الشركات الأجنبية السبع، المتورطة في قضية "الطريق السيّار"، الكثير من التساؤلات، حول الثغرات القانونية الموجودة في قانون مكافحة الرشوة والفساد، وكذا النصوص الخاصة بمتابعة الأشخاص المعنويين، والتي من شأنها حسب قانونيين أن تعيق سبل استرجاع الأموال المنهوبة، أو تعوض الضرر اللاحق بالجزائر جراء قضايا الفساد والتعاملات المشبوهة من قبل الشركات الأجنبية، التي طالت مشاريع في عدة قطاعات هامة في الجزائر وعصفت بمصداقية شركات كبرى، والتي أضحت أسهمها وتعاملاتها في الحضيض وتراجعت أرباحها ومشاريعها بسبب قضايا الفساد، التي امتدت كأخطبوط نحو كافة أرجاء العالم. ويرى متتبعون لقضايا الفساد، أن الحكم بعقوبة 500 مليون سنتيم في حق الشركات الأجنبية المتورطة في قضية "الطريق السيّار"، وبالرغم من أنه يمثل أقصى عقوبة تقررها المادة القانونية لمتابعة الشخص المعنوي في قانون مكافحة الرشوة والفساد 2006، إلا أنه مبلغ رمزي مقارنة بالقيمة المالية للمشاريع التي طالها الفساد، وكذا بقيم الرشاوى التي دفعت للفوز بالمناقصات، والتي منها مشاريع لم تكلل بالنجاح، وأخرى نجحت لكنه نجاح بطعم الفساد والرشوة، حيث إن الضرر الذي أصاب الجزائر لا يقدر بثمن بسبب عزوف الشركات الأجنبية الأخرى عن الاستثمار، وكذا كثرة قضايا الفساد التي طالت أهم الشركات العمومية وعصفت بمصداقية عدة مسؤولين وإطارات فيها، وجعلت الجزائر بلدا مُصدرا للفساد بامتياز، حيث يرى قانونيون بأن مبلغ 500 مليون سنتيم الذي جاء في حكم محكمة الجنايات، لا يساوي ثمن أتعاب محام واحد رافع في القضية، وبالتالي فالعقوبة لن تكون ردعية لهذه الشركات مقارنة بالضرر الذي أصاب الجزائر أو حتى قيمة الهدايا والرشاوى والفائدة التي تحصلت عليها هذه الشركات من استثمارها مع مؤسسات الدولة. كما أن رفض المحكمة طلبات التعويض التي تقدم بها الأطراف المدنيون: "الخزينة العمومية" و"الوكالة الوطنية للطرق السريعة"، وعدم النطق بعقوبات تكميلية في حق الشركات المدانة بتهم الفساد، يجعل "المحاكمة في قضية الطريق السيار" بدون معنى، لأن العقوبة في حق الأشخاص المعنويين لم تكن ردعية بغض النظر عن كونها أقصى عقوبة يقدرها القانون. وفي الموضوع، يرى الرئيس السابق للاتحاد الدولي للمحامين شايب صادق، بأن الأحكام التي صدرت مؤخرا في حق شركات أجنبية تحصلت على مشاريع في وزارة الأشغال العمومية، وكذا النقل بطرق مشبوهة وعن طريق منح امتيازات غير مستحقة وتقديم عمولات، تدعو لطرح سؤال: "ماذا بعد الطريق السيار؟" وأضاف "هل الآليات القانونية التي تتبعها الجزائر في مكافحة الفساد والرشوة كافية وحدها"، وتابع المحامي"المشكل الذي يطرح نفسه بعد ست سنوات من التحقيق وبعد إسدال الستار على المحاكمة، هو كيف تسترجع الجزائر أموالها المنهوبة والآليات الكفيلة لذلك". وأكد شايب، على أن الجزائر بعيدة كل البعد عن التطبيق السليم للمعاهدات والاتفاقيات الدولية التي صادقت عليها في هذا المجال المتعلق حسبه بمكافحة الفساد والرشوة، مشيرا إلى أنه من المفترض في قضايا مثل "الطريق السيار" و"سوناطراك" والتي توبعت فيها الشركات الأجنبية بتهم الرشوة وإبرام صفقات مخالفة للتشريع، تطبيق المعاهدات الدولية لمكافحة الفساد التي صادقت عليها الجزائر مع مختلف الدول ، وهذا من خلال يقول المحامي اتصال السلطات الجزائرية في حالة إدانة الشركات بسلطات الدولة الأجنبية لاسترجاع الأموال المنهوبة أو تعويض الضرر الناجم عن تهم الفساد والرشوة، وهذا باتباع الطرق القانونية المكفولة في المعاهدات الدولية. وقال الأستاذ شايب صادق، بأنه في حال عدم طعن النيابة العامة أو الشركات في حكم محكمة الجنايات، فهو يعتبر حكما نهائيا قابلا للتنفيذ، مشيرا إلى أن جمع مبلغ الغرامات المالية المفروضة على 7 شركات، لن يصل حتى لنصف مبلغ الضرر، حيث تقدر مجتمعة بحوالي 3.5 مليار سنتيم. كما أن الإشكال الذي يطرح نفسه هو بعد رفض المحكمة في الدعوى المدنية لطلبات الأطراف المدنية، من يتحمل يقول الأستاذ قيمة الضرر؟ ويضيف "ما الجدوى إذا من متابعة الشخص المعنوي إذا لم تسترد الأموال وإذا لم تكن الغرامة المالية ضعف قيمة الضرر؟". ومن جهته، المحامي لدى المحكمة العليا خالد برغل، أشار إلى أن حكم محكمة الجنايات في قضية "الطريق السيار" بعد إدانة الشركات الأجنبية التي تمت متابعتها كأشخاص معنويين في القضية المتعلقة بالفساد والرشوة، يحمل في طياته تناقضا واضحا، وقال "مع أن المحكمة أجابت بنعم على وجود ضرر أصاب الخزينة من التهم الموجهة للشركات السبع وكذا بنعم على الوكالة الوطنية للطرق السريعة المتأسسة كطرف مدني هي الأخرى، إلا أن الحكم في الدعوى المدنية جاء مخالفا لذلك بعد رفض المحكمة لطلبات التعويض لعدم التأسيس". وتابع برغل "العقوبة التي نطقت بها المحكمة والمقدرة ب500 مليون سنتيم تعتبر أقصى عقوبة، لكن مع عدم وجود خبرة في الملف لتقييم الضرر، فهي غير تمثيلية"، واعتبر المحامي بأنه يجب إعادة النظر في بعض مواد قانون مكافحة الرشوة والفساد لتفعيل آليات استرجاع الأموال المنهوبة والتعويض، وإلا فلن تكون هناك فائدة من المحاكمات في قضايا الفساد إن لم تسترجع الأموال".