"راني بالشر وولادي ما يصرفوش عليّ"، هي شكوى تفتت الصخر، لطالما سمعنا شيوخا وكبارا في السن يرددونها في مجالسهم، فمنهم من يذرف الدمع وهو يقولها، وآخرون يستعطفون بها جيرانهم والمحيطين بهم لحملهم على مساعدتهم بما تجود به أيديهم من طعام أو ثياب، متناسين بأن نفقتهم واجبة على أبنائهم، ومن حقهم اللجوء للقانون للمطالبة بها. جرت العادة أن تقف أمهات أمام المحكمة تطالب طليقها أو زوجها المهمل والمقصر في حق عائلته وأبنائه بنفقتها هي وفلذات أكبادها، ويحدث أن ينقلب الأمر ليقف الآباء أمام العدالة مطالبين بنفقتهم. هي قضايا وحالات بالرغم من قلتها، إلا أنها موجودة، فبعض الآباء يفضلون الموت جوعا على متابعة أبنائهم العاقين. يقول المحامي الأستاذ حسان براهمي، أن نفقة الآباء المسنين والذين لا يملكون دخلا أو دخلهم ضعيف واجبة على أبنائهم وفقا للمادة 77 من قانون الأسرة، "نفقة الأصول على الفروع والفروع على الأصول تكون حسب القدرة والاحتياج ودرجة القرابة في الإرث"، فمثلا: "تجب نفقة الجد على الحفيد حسب القدرة والاحتياج وطالما معاشه لا يكفيه"، وأضاف المحامي بأن القانون لا يشترط إقامة الوالدين في منزل الابن المنفق. واستطرد المحامي النفقة تؤدى للوالدين في أي مكان كانا، ونفقة الأم وسكناها واجبة على الابن، وتشمل النفقة الغذاء، الكسوة، العلاج، السكن، وما يعتبر من الضروريات في العرف والعادة. وأكد الأستاذ براهمي سهولة الإجراءات وبساطتها فينصح باللجوء إلى إجراء استثنائي أقره المشرع عام 2005، يتمثل في استصدار أمر على عريضة بموضوع النفقة يودع لدى رئيس شؤون الأسرة لدى محكمة إقليم الاختصاص فتمنحه المحكمة أمرا تنفيذيا في ظرف أجل أقصاه ثلاثة أيام، فقضايا النفقة قبل 2005 كانت تتطلب شهورا أما حاليا فلها الأهمية القصوى. وفي حال امتناع الابن العاق عن التسديد وبعد تبليغه الحكم عن طريق محضر قضائي، بوسع الوالد تقديم شكوى ويقدم موقوفا أمام المحكمة ويكون عرضة للسجن 3 سنوات حبسا نافذا عن تهمة عدم تسديد نفقة. أحفاد وأبناء مطالبون بالنفقة على أوليائهم وليست النفقة واجبة على الوالدين فقط، بل حتى الجد، فأحد الشيوخ المسنين اضطر لمتابعة حفيده بعدم تسديد نفقة، فقد تقدم به السن ولا يملك سوى معاش التقاعد، مصاب بأمراض مزمنة تستدعي العلاج، ولكون أبنائه جميعهم متوفون لم يكن من حل أمامه سوى حفيده الذي رفض الإنفاق عليه، وأمام المحكمة الابتدائية تم رفض الدعوى بعد ما قدم الحفيد أدلة تثبت امتلاكه لمرتب التقاعد، فلجأ الشيخ للاستئناف، وعلى مستوى المجلس أوضح بأن مرتب التقاعد الذي لا يتجاوز 8 آلاف دج لا يكفيه لتحكم المحكمة بعدها لصالحه. شيخ آخر من حسين داي، تابع قبل سنوات أبناءه بتهمة عدم تسديد نفقة فهو لا يملك دخلا شهريا وأبناءه بعد ما اشتد عودهم يرفضون علاجه وتأمين مصاريفه، في الوقت الذي أنكر فيه أبناؤه هذه التهمة، مؤكدين برهم به وإحسانهم إليه. وقد تكون قضية النفقة مجرد حجة يستعملها بعض الأولياء لتحقيق هدف آخر، فأحد المسنين الذي تقدم في العمر ودخله ضعيف، كان في كل مرة يلجأ إلى العدالة لمطالبة أبنائه الثلاثة بالنفقة، ليتضح بأن رفضهم السماح له بالزواج مرة ثانية جعله ينتقم منهم بهذه الطريقة. الأستاذ حمديني: الآباء يفضلون الشكوى للناس بدلا من العدالة من جهته، أوضح الأستاذ عمار حمديني، عدم درايتهم ومعرفتهم بحقوقهم، لذا فمثل هذه القضايا نادرة على مستوى المحاكم بالرغم من إنتشارها الواسع في المجتمع، فالوالد يفضل الشكوى للمحيطين به بدلا من التوجه إلى العدالة ومتابعة ابنه العاق، وواصل المتحدث بعض قضايا نفقة الآباء يكون ظاهرها الحاجة، لكن باطنها أمر آخر.